بسام درويش
/
Feb 15, 2015
إقحام المسيحية كدين في أيّ حديث عن الحملات الصليبية، وبالذات، على سبيل المقارنة بين تلك الحملات والأعمال الإرهابية الإسلامية، هو أمر لا يفعله أو يفكّر به إلا جاهل.
************
عندما يرتكب شخصٌ ما باسمك عملاً لم تأمره به فإنه من غير المعقول أن تكون مسؤولاً عنه وعن عمله. ربما يشك بك بعض الناس الذين لا يعرفونك ولا يعرفون أخلاقك ونزاهتك؛ وربما تساق إلى المحكمة ليجري استجوابك؛ لكنك في النهاية وفي غياب الأدلّة ضدّك ستخرج بريئاً.
أما عندما يرتكب أحدهم أمراً شنيعاً أو جريمة بتحريض منك، ثم يُلقى القبض عليه وهو يحمل تعليمات مكتوبة منك، ويثبت للقاضي أن هذه التعليمات هي بخط يدك، فإنك ستعتبر بكل تأكيد شريكاً في الجريمة.
************
ليس هناك في تعاليم المسيحية ما يمكن لمسيحي أن يتّكئ عليها لتبرير جريمة قتل مهما كان نوعها، وخاصة دفاعاً عن المسيح. فحين استلّ بطرس سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة عندما جاء الجنود لإلقاء القبض عليه، قال له: "ردَّ سيفك إلى مكانه، لأنّ كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون." (متى 26 : 52)
والمسيح لم يؤسس جيشاً للدفاع عنه والجهاد في سبيله. فعندما مثل أمام بيلاطس البنطي ينتظر حكمه فيه قال له بكل وضوح: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. (يوحنا: 18 : 36)
لذلك، وتماماً، كما غسل بيلاطس البنطي يديه متبرئاً من دم المسيح رافضاً إصدار حكمه عليه، هكذا هي المسيحية أيضاً بريئة من دم أي إنسان يُقتل باسمها.
تحميل المسيحية جريرة أعمالٍ قام بها "مسيحيون"، هو كتحميل الأهل مسؤولية جريمة قام بها ابنٌ لهم يحمل اسمهم رغم كل الجهود التي بذلوها لتربيته تربية صالحة. لكنْ، إذ يصح هذا القول في المسيحية فإنه بالتأكيد لا يصحّ في الإسلام. فالإسلام هو الأب الذي أنشأ أولاده تنشئة سيئة. علمهم على العنف وشجعهم على القتل وطبّعهم على الثأر وعلى كراهية الناس، لا بل تسامح معهم في أعمال السرقة والزنى ماداموا لم يتخلّوا عنه وما بقوا يجاهدون في سبيله: "قال محمد: أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قلتُ وإن زنى وإن سرق...؟ قال: وإن زنى وإن سرق...(صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان)"
ما ترتكبه عصابات داعش والنصرة والقاعدة وغيرها من الزمر الجهادية الأخرى، من جرائم ذبح، وحرق، وخطف، واغتصاب، وقطع رؤوس، وصلب، ونهب، وقتل أسرى أو مبادلتهم بفدية.. كلها جرائم يرتكبها من يرتكبها من المسلمين بأمرٍ من الإسلام وليس باسمه فقط، والقرآن وكتب الحديث والسيرة تزخر بالشواهد والإثباتات. كل ما يفعله هؤلاء سبقهم محمد إلى فعله، والمسلمون المسالمون الذين لا يقومون بأعمال إرهابية أو الصالحون منهم هم بالضبط الذين لا يمثلون الإسلام بشيء ولا يحملون منه إلا إسمه.
جاء محمد يحرّضهم على القتال ويقول لهم إنه فُرضَ عليهم رغم كرههم له:
ـ "كُتِبَ عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. (البقرة 2 : 216)
جاء يهدد الناس قائلاً إنّ دماءهم وأموالهم هي حلال له وإنه لن يتوقف عن قتالهم إلى أن يخضعوا له ويعملوا بأمره:
ـ أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فإذا قالوها وصلّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرُمَت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله." (البخاري: كتاب الصلاة)
جاء يزرع الرعب في قلوب الناس ويهددهم بسلب أموالهم:
ـ "أُحِلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مني مسيرة شهر.. (مسند أحمد)
جاء يهدد بالذبح:
ـ "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح" (مسند أحمد ـ وصحيح بن حيان)
جاء ليجر الناس بالسلاسل للخضوع له:
ـ كنتم خير أمة للناس... تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام! (صحيح البخاري)
جاء يأمر بقتل الكفار حيثما كانوا ووُجدوا:
ـ "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم." (التوبة 9 : 5)
أمر أتباعه بقطع الرقاب وطلب المال لمبادلة الأسرى:
"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب (أي اقتلوهم بضرب رقابهم) حتى إذا أثخنتموهم (أي أكثرتم فيهم القتل) فشدّوا الوثاق فإما مَنًّا بعدُ وإما فداءً (أي ولكم أن تطلقوا سراحهم فيما بعد أو تبادلوهم بأسرى من المسلمين أو المال) حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قُتِلوا في سبيل الله فلن يضلَّ أعمالهم." (سورة محمد 47 : 4)
ولم يتورع عن الأمر بحرق البيوت بمن فيها:
"بلغ محمداً أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، وكان بيته عند جاسوم، يثبِّطون الناس عن محمد في غزوة تبوك (أي يشجعونهم على عدم المشاركة في الغزو) فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم (أي أن يحرق البيت بمن فيه من المجتمعين) ففعل طلحة، فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت (أي هرب عن طريق السطح) فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا. (ابن كثير)
وفي حفلة دموية واحدة، قطع محمد رؤوس ما يزيد عن خمسمائة أسير من يهود بني قريظة وباع نساءهم وأولادهم في سوق النخاسة ليشتري بثمنهم أسلحة لجيشه.
روّع القبائل بغزواته وسلبهم ممتلكاتهم وسبى نساءهم واستعبد أولادهم، واغتال كل من انتقده بكلمة بما في ذلك الأمهات المرضعات.
وهكذا، فإنّ ما يفعله الداعشيون والنصرة وباكو حرام والقاعدة وأمثالهم من الإرهابيين المسلمين هو تطبيق لتعاليم الإسلام بحذافيرها وليس افتراء عليه وتشويهاً لسمعته. فالوجه المشوه ليس بحاجة إلى من يشوهه لإظهار قباحته.
**********
عندما قرر المسيح أن يوجّه تلاميذه نحو العالم قال لهم: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." أرسلهم يعمّدون الناس بالماء وليس بالدماء، وقال لهم: "علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به..". أوصاهم أن يكونوا ملحاً للأرض ونوراً للعالم، متواضعين، محبين، كرماء، صادقين، وخادمين للناس. لم يقل لهم إذهبوا وبشروا العالم بحد السيف إنما قال لهم إنّ من أخذ بالسيف فبالسيف يؤخَذ.
قال لهم: "ها أنذا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب. لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية... وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم فكلوا مما يقدَّم لكم واشفوا المرضى الذين فيها وقولوا لهم اقترب ملكوت الله، وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا، حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم..."، ولم يبعث بهم ذئاباً تفترس الحملان أو جيوشاً تغزو الأمم وتروع الناس، تقطع الرؤوس، تحرق البيوت، تسلب الممتلكات، وتسبي النساء.
قال لهم إنهم كي يرثوا الحياة الأبدية فعليهم أن لا يزنوا ولا يقتلوا ولا يسرقوا... ولم يعطهم "كارت بلانش" لدخول الجنة إذا آمنوا به وفعلوا كل هذه الموبقات، ولم يطمّعهم بحوريات أو غلمان أو أنهار خمر وعسل إذا جاهدوا من أجله.
حقاً، إنّ كلّ إناء ينضح بما فيه، وقد أحسن القس فرانكلين غراهام في ردّه مؤخراً على الذين يربطون بين الحملات الصليبية والإرهاب الإسلامي حين قال: "المسيحي الحقيقي يقلّد المسيح، والمسلم الحقيقي يقلّد محمد."
************
********
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط