بسام درويش
/
Sep 06, 2009
"تلك آيات الكتابِ الحكيم..!"
في كل مرة أتعثّر بهذه الآية، تقفز أمامي آياتٌ وآياتٌ أُخرى أقف أمامها حائراً وأنا ابحث عن الحكمة فيها..!
واحدة من هذه الآيات تلك التي يحلل فيها الله "الحكيم" الزواجَ بأربع: "...فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثُلاثَ ورُباعَ..." ثمّ وعلى الفور يتذكّر أنه ربما تسرّع بتحليله ونسي بأنّ الإنسان ضعيف وبعيد عن العدل، فيستدرك قراره محذّراً عبد المسلم بقوله إنه إذا خاف أن لا يعدل بين الأربع فعليه ألاّ يتزوّج إلا بواحدة...! لا بل يعود فيراجع استدراكه عندما يتذكّر مرة أخرى أنه من المستحيل على عبده أن يعدل بين نسائه حتى ولو أراد ذلك: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم...!" (النساء 4 : 129)
لكنّ ولأن هذا الله الحكيم رحيم جداً، فنه يتذكّر بأنه إذا لم يجد حلاً لهذه المشكلة العويصة، فإن عبده المسلم قد لا يتمكن من ضبط شهوته، وأين يذهب بحاله إذا مرضت هذه الزوجة الواحدة؟ لذلك، يستدرك الله مرة أخرى فيعدّل قراره ويسمح لعبده في أن يتحوّل إلى ملكِ يمينه، أي إلى ما لديه من نساء جوارٍ اشتراهنّ بعرق جبينه أو حصل عليهنّ في غزوة من الغزوات. ويبرر الله قراره ذالك بقوله: "ذلك أدنى ألاّ تعولوا...!"، أي إنّ ذلك أفضل من أن لا تعدلوا بين الأربع أو أن تظلموا إحداهنّ حيث أنّ الظلم إذا وقع على الجواري لا مشكلة فيه، إذ "ليس لهنّ من الحقوق ما للزوجات" كما جاء في تفسير الجلالين. (سورة النساء 4 : 3)
تصوروا...! آيةُ وحيٍ واحدة، تبيح الزواج بأربع نساء، ثم تعدّل الإباحة باشتراط العدل بين النساء، ثم تعود بعد ذلك للتخفيف من عبء هذا الشرط بالسماح بممارسة الجنس مع الإماء مع إعطاء بطاقة مفتوحة تسمح بعدم العدل بينهن لأنهنّ لا يملكن أية حقوق كما يقول تفسير الجلالين!
***********
إنَّ الإنسانَ لَيَقِفُ حائراً أمام حكمة هذا الله. هذا الله الذي على الرغم من أنه يعرف تمام المعرفة أن الإنسان لا يمكن أبداً وبأي شكل من الأشكال أن يعدلَ بين أكثر من زوجة واحدة مهما بلغت شدّة حرصه على العدل، وذلك بدليل قوله "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم!!!" ومع ذلك، يبيح لعباده المسلمين الزواج بأربع.
إذا كان الله قد تذكّر بعد سماحه بالزواج من أربع، بأن الإنسان لا يستطيع أن يعدل مهما بلغ حرصه، فلماذا لم يطلب من محمد أن ينسخ [أي يلغي] آية التحليل تلك، كما نسخ [أي ألغى] آيات أخرى من القرآن، كآية "لا إكراه في الدين" وغيرها من الآيات المتساهلة، مستبدلاً إياها بآياتٍ أخرى تحض المسلمين على قتال الذين لا يقبلون بالإسلام ديناً:
"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم." (التوبة 9 : 5)
"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب (أي اقتلوهم بضرب رقابهم) حتى إذا أثخنتموهم (أي أكثرتم فيهم القتل) فشدّوا الوثاق فإما مَنًّا بعدُ وإما فداءً (أي ولكم أن تطلقوا سراحهم فيما بعد أو تبادلوهم بأسرى من المسلمين أو المال) حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قُتِلوا في سبيل الله فلن يضلَّ أعمالهم." (محمد 47 : 4)
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق (أي الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام.. حسب تفسير الجلالين) من الذين أوتوا الكتاب (أي المسيحيين واليهود حسب المصدر نفسه) حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون." (أي أذلاء منقادون لحكم الإسلام. حسب المصدر نفسه) (التوبة 9 : 29)
أتساءل عن حكمة هذا الله الذي يقول بـ "لسانٍ مبينٍ" إنّ الرجل لن يستطيع أن يعدل بين النساء مهما كان حرصه على العدل عظيماً، ولكنه مع ذلك يترك الأمر له كي يقرر إذا كان بإمكانه العدل أم لا!
هنا يأتي دور "علماء" المسلمين لتفسير هذه الحكمة الإلهية ـ أو تبرير هذه الغلطة الإلهية ـ إذ يقولون بأن الله حين يتحدث عن العدل بين النساء فإنه يعني العدل بالنفقة وليس بأيّ شيء آخر. فالإنسان لا يمكن أن يكون عادلاً في مشاعره ولكنه يستطيع أن يعدل بالنفقة، وإذا عجز عن ذلك فعليه التحوّل إلى ممتلكات يديه من الجواري (في أيامنا هذه: الخادمات الآسيويات اللائي يستوردهنّ المسلمون لخدمتهم وخدمة حريمهم من الحرائر)
يقول تفسير الجلالين فيما يتعلق بعبارة "وإن خفتم ألا تعدلوا" بقوله: "وإن خفتم ألا تعدلوا فيهنّ بالنفقة والقسم فواحدة أو اقتصروا على ما ملكت ايمانكم من الإماء إذ ليس لهنّ من الحقوق ما للزوجات."
ويوضح ذلك في تفسيره للآية التي تقول: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلّقة..." فيقول، أي: "لن تستطيعوا أن تسوّوا بين النساء في المحبة ولو حرصتم على ذلك، فلا تميلوا كل الميل إلى التي تحبونها في القسم والنفقة فتذروها اي تتركوا المال عنها كالمعلقة أي التي لا هي أيِّمٌ [أي أرملة] ولا هي ذات بعل..."
أهذا هو كل ما تطمح إليه المرأة من زوجها حقاً؟ أهذا هو مفهوم الزواج في عُرف الإسلام والمسلمين؟
في الواقع إن الجواب على هذا السؤال هو نعم. هذا هو بالضبط مفهوم الزواج عند الإسلام والمسلمين. الزواج في الإسلام ليس إلا عقد شراء يشتري فيه الرجل المرأة للاستمتاع بها. إنه في الشرع "عقد تمليك وانتفاع بالبضع ـ اي بفرج المرأة ـ وسائر بدنها/ والمقصود في الإسلام من عقد النكاح هذا، هو الانتفاع بالمرأة دون الرجل!(1)
بعبارة أخرى، الزواج في الإسلام هو نوع من الرق. يقول الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين":
"النكاح نوع رق فهي (أي المرأة) رقيقة له (للزوج) فعليها طاعة الزوج مُطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة: قال محمد: <أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة.> وكان رجل قد خرج إلى سفرٍ وعهدَ إلى امرأته ألا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في الأسفل فمرض فأرسلت المرأة إلى محمد تستأذن في النزول إلى أبيها فقال محمد: <أطيعي زوجك. فمات فاستأمرته فقال: أطيعي زوجك. فدُفن أبوها فأرسل محمد إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها’، وقال محمد: ‘إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها.’" (إحياء علوم الدين للغزالي)
الزواج في الإسلام كعقد إبجار بمقدّم ومؤخر يمكن للرجل أن ينهيه بكلمة واحدة يكررها ثلاث مرات، وهو حتى لو أخطأ في تكرارها، فإن التكرار أعظم أهمية من النية، ولذلك فإن الطلاق يقع بمجرد لفظ الكلمة ثلاثاً ولا يمكن للرجل إعادة زوجته إليه إلا بعد تجحيشها أي تزويجها من رجل آخر ثم يطلقها بعد استيفاء كل شروط الزواج أي ممارسة الجنس معها:
جاءت امرأة لعند محمد وقالت له: يا رسول الله إن زوجي طلقني وإني تزوجت غيره فلم يقربني إلا مرة واحدة ولم يصل مني إلى شيء فهل أُحلُّ لزوجي الأول؟ فقال رسول الله: لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقين عسيلته! (صحيح بخاري)
========================
(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، دار الكتب العلمية 1990 الجزء الرابع ص 9 وقد ورد الاقتباس في كتاب "النساء في الإسلام" لمؤلفيْه نيوتن ورفيق الحق مطبوع في كاليفورنيا، باسادينا.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط