ـ 1 ـ
قبل أشهر معدودة، سقط "عبد الله" قتيلاً إلى جانب كافة الشباب السعوديين الانتحاريين. لم يمر على تسللهم داخل الحدود العراقية سوى ليلة أو ليلتين. تقول الأخبار أنه سافر بصحبة مجموعة من الانتحاريين بواسطة حافلة صغيرة وفرتها جهة غير معلومة داخل السعودية. وتقول الأخبار كذلك أنهم دخلوا إلى العراق عبر الأردن بعد أن قامت الجهات الرسمية الأردنية هناك بتمزيق جوازات سفرهم قبل أن تسهل مهمتهم في التسلل إلى الداخل العراقي. إن صحت تلك الأخبار – ولا أجد سبباً يمنع تصديقها – فإن دول الجوار والعروبة والإسلام تعمل كل ما بوسعها لتخريب العراق وإغراقه في بحور الدم لإجهاض المشروع الأمريكي حتى يتأخر قطار التغيير أو حتى لا يمر من الأساس بهذه الدول السعيدة. سقط عبد الله قتيلاً، وربما تناثرت أشلاؤه فاختلطت برفاقه الأشقياء. سقط سريعاً قبل أن يفتح نيران بندقيته العمياء على طابور من متطوعي الشرطة العراقيين، أو يقتحم بسيارة مفخخة مطعماً أو دائرة حكومية أو سرداق عزاء، أو يتمنطق حزاماً ناسفاً ليفجر نفسه وسط الأبرياء باسم الجهاد ومقاومة الغزو الصليبي.
وقبل ثلاثة أعوام فأكثر، سقط "عبد الرحمن" الأخ الأصغر لعبد الله في أفغانستان. ندب عبد الرحمن نفسه للدفاع عن الإمارة الإسلامية "طالبان" ضد القوات الأمريكية التي جاءت عبر الأطلسي للانتقام لضحايا الحادي عشر من سبتمبر ولدك حصون الظلام ومغارات الإرهاب. في كلا المرتين، جاء الأقارب والأصدقاء والجيران لتقديم واجب العزاء أو لتقديم التهاني بفوز الشابين بالشهادة في سبيل الله! تلا الكثيرون آيات تقال في مثل هذه المناسبات مثل "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وردد آخرون كلمات مستهلكة مثل: لا تحزنوا! إنهم ينعمون الآن في الجنة (ربما يقصدون قضاء سهرات حمراء مع الحور العين) ودم الشهيد له رائحة المسك. بالمناسبة، لماذا لا تؤخذ عينة من دم المجاهدين، ويتم استدعاء شخصيات تمثل أديان أخرى حتى يقتنعوا بالتجربة والبرهان أن دم المجاهد الشهيد ليس كأي دم. ألم تنسج أساطير حول دماء المجاهدين الأفغان والعرب إبان الحرب مع السوفييت؟ من يدري فربما تلين قلوبهم للإسلام، وبالتالي يدخل ملايين البشر في دين الله أفواجا، ومن ثم تنتهي الحروب والمصادمات، ويحل السلام على كوكب الأرض.
ـ 2 ـ
لماذا صار للسعوديين قرص في كل أعراس الدم بدءاً من أفغانستان ومروراً بالبوسنة والشيشان وليس انتهاءً بالعراق؟ لماذا أصبح السعوديون عناصر فاعلة في خلايا الإرهاب النائمة والنشطة؟ لماذا تحولت أجساد السعوديين إلى أرغفة ساخنة على موائد الإرهاب الأسود؟ إذا لم يقوَ السعوديون على إهداء ربيع أعمارهم وزهرة شبابهم قرباناً للموت المجاني، ساهموا بأموالهم وحلي نسائهم. وإن لم يملكوا المال الكافي، ساهموا بصلواتهم ودعائهم وهذا أضعف الإيمان. إنها صورة تتنافر خطوطها وألوانها مع صورة تعشعش في رؤوس الآخرين عن الرجل السعودي الممتلئة جيوبه بالنفط،، ذلك الصحراوي الفظ المتعطش إلى النساء والحشيش والخمر في أحضان ليالي القاهرة وبيروت والدار البيضاء ولندن وباريس.
من المؤسف أن (ممسحة) نظرية المؤامرة التي تعودنا على تعليق كل هزائمنا وانكساراتنا عليها لن تجدي هذه المرة في تبرير تلك الظاهرة الدموية. قرأت تعليقات غير مسؤولة لبعض رجال الدين التابعين للمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية تلقي باللائمة على جماعات التكفير والتشدد في الخارج. إنها محاولة غير موفقة لخلط الأوراق في إعادة تصدير ظاهرة الإرهاب للخارج. إن محاولة إلقاء التهم على الغير لمجرد تبرئة النفس والتنصل من المسؤولية لم ولن تنجح لضلوع دورنا كسعوديين في تغذية الفكر الإقصائي والمتشدد خلال العقود الأخيرة وخاصة بعد تدفق عوائد النفط على البلاد في منتصف السبعينيات الميلادية. ومن ضمن التبريرات الرائجة بين أوساط الناس لتفشي ظاهرة الإرهاب انتشار البطالة بين الشباب، الأمر الذي يسهل على قيادات جماعات العنف استمالة هذا الشباب البائس الغاضب على مجتمعه وحكومته. ليت من يتحمس دفاعاً عن هذه النظرية يقرأ مثلاً السيرة الذاتية لقائمة المطلوبين الإرهابيين. إنهم ليسوا طابورا من الجياع والعاطلين عن العمل والباحثين عن الخبز. ولو صح أن الجوع وفقدان الأمان الوظيفي هو المحرك للإرهاب لما كان بن لادن (شيخ المجاهدين) الثري ابن الثري قادرا من مخبئه في جبال أفغانستان على تحريك كل إرهابيي الأرض بإصبع منه. ولو صح أن الجوع والبطالة تفرز الإرهاب وتغذيه لكانت بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا طعماًً يومياً لعمليات القتل والتفخيخ والتفجير.
ـ 3 ـ
إن تحميل جهات وهمية مسؤولية الإرهاب الديني، وبقدر ما يسهم في تعميق المشكلة فإنه يعكس بشكل أو بآخر الخوف من الاصطدام بالخطاب الديني المحلي والمسؤول بدرجة كبرى عن إفراز حالة العنف والتشدد الراهنة. الخوف لا ينال فقط من الشريحة الكبرى للعناصر المثقفة السعودية والتي تخشى من مغبة الاضطهاد المعنوي وربما المادي، ولكنه يسيطر حتى على مفاصل الحكومة والتي مازالت تمارس المهادنة وتطبيق سياسة مسك العصا من النصف. تلك السياسة لم تؤتِ يوماً ثمارها، بل ثبت فشلها تاريخياً، وكانت من الأسباب الرئيسية وراء تخلف البلاد من اللحاق بركب الحداثة. انظر إلى كل التحديات الداخلية التي هددت استقرار الحكومة وسلامتها، بدءاً من جيش الأخوان في الثلاثينيات ومروراً بحركة جهيمان العتيبي في أول الثمانينات وليس نهاية بما يطلق عليهم بالفئة الضالة. كلها خرجت من قلب الحليف التقليدي والتاريخي، أي من المتدينين الأصوليين. وحتى لا يبدو كلامي إنشائياً أو أني أناصب العداء للتيار الديني السلفي وأتباعه، سأورد في السطور التالية ثلاثة فتاوى لأهم الرموز الدينية الوهابية والموصوفة دوماً بالاعتدال والوسطية (!) واترك لعقلك وضميرك لتقرير مدى براءة خطابنا الديني من دم الإرهاب. وقبل أن أبدأ بعرض عينة من تلك الفتاوى، أسجل اعتذاري الشديد هنا عن الألفاظ الجارحة والعبارات الخارجة عن حدود الأدب واللباقة والمنافية لأبسط قواعد السلوك الحضاري. لمزيد من الإطلاع يمكنك زيارة الموقع التالي: http://www.umanas.netfirms.com/
فتوى الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله!) في تحريم تعلم اللغة الإنجليزية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم" :( فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، ولا يصح لمسلم التكلم بغيره... ) ص203
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الدعاء في الصلاة بالفارسية ؟ فكرهه. وقال: لسان سوء ولا يصح الحلف بها ولا الصلاة ولا سائر العبادات. ص 204
وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي حدثنا إسحق بن إبراهيم البلخي حدثنا عمر بن هارون البلخي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق) ص 205.
ومعلوم أن اعتياد التكلم بغير العربية حتى يكون عادة أمر غير مشروع لأن يورث محبة أهل تلك اللغة من الكفرة وهو مخالف لعقيدة الولاء والبراء من الكفار. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قـويًا بينًا، ويـؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد في العقل والدين والخلق) ص207.
والذي أراه أن الذي يعلم صبيّه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يُحاسب عليه يوم القيامة؛ لأنه يؤدي إلى محبة الطفل لهذه اللغة، ثم محبة من ينطق بها من الناس؛ هذا من أدخل أولاده منذ الصغر لتعلم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات.
فليتق الله من يريد جلب هذه اللغة إلى أبناء المسلمين، والله الله أن يضيع من يعول، وليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) رواه مسلم. اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد. انتهى.
فتوى الشيخ عبد العزيز الجربوع بوصف المخالف بأنه خنيث ونعته بأنه يمص من بظر أمه:
هناك من يعيب علّي شدة الألفاظ وقسوتها التي مضت والتي ستأتي، وأن هذا ليس من الإسلام في شيء فأقول مستعيناً بالله:
أ ـ لقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسف باللفظ إسفافاً ما بعده إسفاف لمن تعزى بعزاء الجاهلية وأن نقول "عظ على فرج أبيك" "ومص بظر أمك" وأن لا نستعمل الكناية في ذلك بل اللهجة الدارجة كما في حديث أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد، والنسائي في السنن الكبرى والطبراتي في الكبير وابن السني في عمل اليوم والليلة، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وهذا فيمن أخطأ خطاءً ميسوراً في نظر كثير من الناس، فما بالك بأخطاء الاعتقاد والكفر والزندقة.
ومن ذلك ما روي عن أبي بكر قوله لعروة بن مسعود الثقفي (امصص بظر اللات) وذلك في الحديبية وما روى لنا مسلم رحمه الله قول كعب بن عجرة عندما رأى عبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً قال: (انظروا إلى هذا الخنيث يخطب قاعداً..........) هذا في مسألة الخطبة.
…. هذا بالنسبة للصحابة رضى الله عنهم، وأما من بعدهم فإليك، أقوالهم:
فالإمام أحمد عندما نُقِلَ له قولٌ عن أبي ثور لا يتفق مع الدليل قال: أبو ثور كاسمه ونحواً من ذلك قال عن أبي حنيفة: ما قوله عندي والبعرة إلا سواء، وقال عن الكرابيسي: كذب هتكه الله الخبيث؛ وذلك في مسألة لفظي بالقرآن مخلوق. وفي كتاب المجروحين لابن حبان كلام سفيان رحمه الله على أبي حنيفة ولا يخفى علينا ابن تيمية وقول أبي إسماعيل الهروي عن الاشاعرة بأنهم مخانيث المعتزلة. هل نحن أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، والسلف، وأعلم منهم وأحكم أم أن العلمانيين والعصرانيين والرافضة والزنادقة أشرف قدراً ممن مضى ذكرهم، هيهات هيهات إلا أن نساوي الثرى بالثريا.
ب ـ لقد مللنا التمييع إلى درجة أن الصحوة الإسلامية لا تجد غضاضة في أن ترافق الزنديق وأن يصبح العلماني صديقاً باراً لها وأن ترتمي في أحظان المرتدين، وتغشى مجالسهم دون اكتراث بحرمة ذلك، ولا مانع لديها من مشاركة، ومناصفة الرافضة في كل شيء كما دأب بعض رموز الصحوة المشهورين، وهي مستعدة أن تعقد صفقات الحب، والود لليهود والنصارى!! أي صحوة هذه وأي موجهين يوجهونها نحو الهاوية فإلى متى عد المحاسن التي تخفي حقيقة الرجل وخبثه.. .
ج ـ هذه الألفاظ يتضح من خلالها الولاء للمؤمنين، والبراء من هؤلاء المجرمين الناكبين عن الصراط المستقيم، فلقد كان سب آلهة المشركين، وشتمها والحط من قدرها مطلب شرعي ولا زال إلى أن حصلت مفسدة سب الله عدواً بغير علم، فنُهيَ الصحابة عن ذلك فبقي أمر السب مشروعاً مالم تحصل مفسدة أعظم من مصلحة السب.
د ـ إن تغليف النقد بتلك العبارات المائية، وبتلك الكلمات الهادية يخرج موضوع النقد عن صلبه المراد خصوصاً إن كان المراد التحذير من الشخص ومسلكه، ويورث الود لهذا الشخص خصوصاً عند العامة، وبالتالي قبول كل ما يطرحه من زيغ وضلال، وهنا الطامة العظمى والمصيبة الكبرى ومن تأمل نصوص الشريعة، وأقوال أهل العلم المبنية على الأدلة الشرعية يجد أن الإسلام في النقد والتقريع، والتثريب إما أن يثرب على الفكرة دون الشخص، وإما أن يثرب على الشخص والفكرة معاً، وإما أن يثرب على الشخص دون الفكرة خصوصاً إذا كانت فكرةً كفريةً الحاديةً، قد تعلق في قلوب العامة إذا طرحت على مسامعهم وكان الناقد لها بضاعته، العلمية مزجاة...
فتوى الشيخ سليمان الخراشي في جواز نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم:
فقد دار بحث مع بعض الأخوة الأفاضل عن حكم التعامل مع العلمانيين والحداثيين والعصرانيين وغيرهم من أصحاب الفكر المنحرف والعقائد الباطلة. وهم إن كانوا في بلاد المسلمين ويقيمون معهم فهم مرتدون عن الإسلام ويتعامل معهم كما يتعامل مع المرتد وفق الشرع. والمرتد في اللغة: هو الراجع، يقال: ارتد فهو مرتد: إذا رجع، قال تعالى: {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} أي: لا ترجعوا. والمرتد في الاصطلاح: هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل. والمرتد له حكم في الدنيا وحكم في الآخرة. أما حكمه في الدنيا؛ فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وردت جملة أحاديث صحيحة عن عدد من الصحابة: عن ابن عباس وأبي موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبي هريرة ومعاوية بن حيدة.
وقد جاءت بصيغ مختلفة، مثل حديث ابن عباس: "من بدل دينه فاقتلوه" (رواه الجماعة إلا مسلمًا، ومثله عن أبي هريرة عند الطبراني بإسناد حسن، وعن معاوية بن حيدة بإسناد رجاله ثقات). (أورد ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد: 261/6).
وحديث ابن مسعود: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة" (رواه الجماعة).
وفي بعض صيغه عن عثمان: "..... رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس" (رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة، وقد صح هذا المعنى من رواية ابن عباس أيضًا وأبي هريرة وأنس)، قال العلامة ابن رجب: والقتل بكل واحدة من هذه الخصال متفق عليه بين المسلمين .(انظر: شرح الحديث الرابع عشر من "جامع العلوم والحكم" بتحقيق شعيب الأرناؤوط- طبع الرسالة).
وأجمع العلماء على ذلك، وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله. وأما حكمه في الآخرة. فقد بينه الله تعالى بقوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، سواء كان جادا أو هازلا أو مستهزئا؛ قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
ونواقض الإسلام التي تحصل بها الردة كثيرة. من أعظمها الشرك بالله تعالى؛ فمن أشرك بالله تعالى؛ بأن دعا غير الله من الموتى والأولياء والصالحين، أو ذبح لقبورهم، أو نذر لها، أو طلب الغوث والمدد من الموتى؛ كما يفعل عباد القبور اليوم، فقد ارتد عن دين الإسلام؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعا. وكذلك من جحد بعض الرسل أو بعض الكتب الإلهي؛ فقد ارتد؛ لأنه مكذب لله، جاحد لرسول من رسله أو كتاب من كتبه. وكذلك من جحد الملائكة أو جحد البعث بعد الموت؛ فقد كفر؛ لأنه مكذب للكتاب والسنة والإجماع. وكذلك من سب الله تعالى أو سب نبيا من أنبيائه تصريحا أو تلميحا؛ فقد كفر. وكذلك من شكك في النبوة، أو ادعاها او صدق من يدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد كفر، لأنه مكذب لقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ومن جحد تحريم الزنى، أو جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر، أو طالب بإلغاء حد من حدود الله (كما ينادي العصرانيون وغيرهم من أهل العلمنة) فقد كفر. وكذلك متى جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: [بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام] ومن استهزأ بالدين، أو امتهن القرآن الكريم، أو زعم أن القرآن نقص منه شيء، أو كتم منه شيء فلا خلاف في كفره".
فمن ارتد عن دين الإسلام وثبت عليه ذلك كما في حال بعض من مرقوا من الدين، وسأذكر فقط عينة لهم كالزنديق تركي الحمد والعلماني عبدالله ابو السمح والعصراني منصور النقيدان وزمرته والعقلاني خالص جلبي وأتباعه والزيدي حسن المالكي ومؤيدوه والحداثي عبدالله الزيد وزمرته والخبيث مشعل السديري وغيرهم من أهل الزندقة والانحلال الفكري فهؤلاء عندما نطبق عليهم منهج الشريعة الإسلامية فهم مرتدون كفرة يطبق عليهم حكم الشرع وهو إنه يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام، فإن تاب، وإلا قتل؛ ويرى بعض أهل العلم عدم استتابته.
وقد نفذ علي كرم الله وجهه عقوبة الردة في قوم ادعوا إلوهيته، فحرقهم بالنار، بعد أن استتابهم وزجرهم، فلم يتوبوا ولم يزدجروا، فطرحهم في النار، وهو يقول:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا **** أججت ناري، ودعوت قنبرًا
وقنبر هو خادمه وغلامه (انظر: نيل الأوطار: 5/8، 7 - طبع دار الجيل)...
ـ 4 ـ
هذه عينة منتخبة من فتاوى تعبر بجلاء عن روح وفكر الخطاب الديني السائد، الغارق في الظلامية والأحادية، المسكون بهاجس المؤامرة وخرافة المواجهة، المعبّأ بالكراهية والتعالي. بماذا يمكن أن نصف تلك الفتاوى التي تحرض على مجافاة العلم والتقدم وعلى قتل المختلف دينياً ومذهبياً وفكرياً؟ ما الفرق بين الفتاوى وأسلحة الدمار الشامل؟ عندما تقرأ المزيد من تلك الفتاوى ستذهل لوجود فتاوى تشجع على الكذب وشهادة الزور إذا كانت النتيجة تعني إزاحة شيعي أو ليبرالي. ستصعق أكثر عندما تجد من يفتي بتحريم قيام التلميذ لأستاذه، وأداء الجندي لقائده التحية العسكرية، وارتداء الرجل لربطة العنق والبنطلون، والسفر للخارج أو لدار الحرب. كل الفتاوى لا تجيد سوى لغة التحريم، بدءاً من تحريم القول بكروية الأرض إلى تحريم استخدام المرأة لشبكة الانترنت بلا محرم!!!
لو كانت الفتوى مجرد تعبير عن رأي فردي يحتمل الصواب والخطأ لهان الأمر. المشكلة أنه في المجتمع السعودي المعروف بمحافظته، وبتعلقه وإجلاله لرجال الدين، وبفقدانه لأي تيار فكري آخر يخفف من حدة الاحتقان الديني، تكتسب الفتوى مكانتها وحضورها والذي غالباً ما يكون مثبطاً ومدمراً. المجتمع السعودي إجمالاً لا يقرأ ولا يناقش. يتلقف الناس الفتوى وكأنها كتاب منزل من السماء. لا أحد يجرؤ على نقد الفتوى وبالذات إذا كانت تحرم ولا تحلل، وترفع السلاح وتسقط غصن الزيتون، وتنفر من الحياة وتحفز على الموت. نقد الفتوى لدينا يختلط بنقد رجال الدين المحصنين من النقد والمساءلة والمسمومة لحومهم دون غيرهم من البشر. لا أخفي شعوري بالحزن العميق على الشقيقين عبد الله وعبد الرحمن اللذين أضاعا أجمل سنوات عمرهما سعياً وراء وهم ابتلعاه بكل عنفوان الشباب وطيشه، ولا شعوري بحزن أعمق وأكبر على المئات وربما الآلاف من الشباب الذين تناثرت أجسادهم رماداً في أراض غريبة لمحاربة عدو مفترض ولمطاردة سراب فوق السماء السابعة.
فتوى ابن عثيمين في تحريم تعلم اللغة الإنجليزية؛ والله أكبر!
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط