موريس صليبا
/
Nov 14, 2010
صدر مؤخرا في ألمانيا كتاب بعنوان "سقوط العالم الإسلامي" للأستاذ الجامعي المصري الدكتور حامد عبد الصمد (*) الذي يشخص فيه حجم المأساة التي تنتظر خلال السنوات الثلاثين القادمة العالم الإسلامي.
ما الذي دعا هذا الأستاذ والباحث الجامعي إلى هذا التشخيص التشاؤمي تحليليا والاستفزازي سوسيولوجيا وسياسيا؟
فهو يتوقع هذا الإنهيار مع شحّ آبار البترول نهائيا واتساع فسحات التصحّر واجتياح الجفاف لما بقي من أراض زراعية وغابات خضراء واشتداد حدة النزاعات الطائفية والعرقية والإقتصادية المزمنة والقائمة حاليا. كما سيرافق ذلك أكبر حركة نزوح سكانية للشعوب الإسلامية نحو الغرب، وبالأخص نحو أوروبا.
يبدو أن الدكتور عبد الصمد بلغ فيه المطاف إلى هذه الرؤيا الكارثية بحكم معرفته العميقة بالواقع الإسلامي المتخلف فكريا والمتحجر اقتصاديا واحتماعيا والمؤدلج دينيا وسياسيا. بدأ إنهيار هذا العالم حسب رأيه منذ أكثر من ألف سنة إذ لم يقدم الإسلام للإنسانية أي شيء جديد أو أي إبداع خلاّق. كما يتوقع بلوغ هذا الإنهيار ذروة الشيخوخة والانحلال في العقدين القادمين، إن لم تحدث معجزة خارقة تنقذه من الموت المحتّم.
لذلك يرى عبد الصمد أن لهذا التسونامي القادم أسباب عديدة. يذكر بأهمها بنوع خاص انعدام وجود أي اقتصاد خلاّق، وغياب أي نظام تربوي فعّال، وانحسار أي إبداع فكري بناء. ويعتبر أن مثل هذه الآفات الكارثية لا تؤدي بطبيعتها إلا إلى تصدّع البناء بكامله، وقد بدأ هذا الهيكل فعلا بالإنهيار منذ فترة طويلة وهو الآن يعيش مرحلة التحلل النهائية.
أحيانا يتذكر هذا الباحث أن الشعوب الإسلامية عرفت نوعا من النهضة في فترة من الزمن خاصة في القرون الوسطى عندما حصل انفتاح على الحضارات والثقافات التي احتكت بها. انفتحت عليها واستفادت من منجزاتها وعلومها. يقول مثلا، دون أي تحقيق أوتمحيص، بأن المسلمين ترجموا في فترة من الزمن أعمال الفكر اليوناني والروماني والمسيحي ونقلوه إلى الغرب، متنكرا تماما كون هذه الترجمات لم تكن إنجازا إسلاميا على الإطلاق بل في الحقيقة قام بها العلماء السريان والأشوريون الذين كانوا ينعمون بمستوى علمي رفيع عندما وصل الفتح الإسلامي إلى ديارهم. فجرى ذلك في عواصم الحضارة آنذاك في بلاد ما بين النهرين وبغداد ومنطقة أرض الشام. ولكن الإسلام الذي تبناها ونسبها لنفسه بقي عاجزا عن نقلها حتى إلى مهد انطلاقته في مكة والمدينة وباقي أطراف الجزيرة العربية. فشل المسلمون بذلك، لأنهم لم يكونوا لا من أهلها ولا من مبدعيها.
اعتقد المسلمون وما زالوا حتى اليوم يتبجحون بأن الفضل يعود لهم في نقل حضارة الإغريق والرومان إلى الغرب، ولكنّه يتساءل: لو كانوا فعلا روّاد حضارة، لماذا لم يحافظوا عليها ويعززوها ويستفيدون منها. كذلك يتساءل ويقول: لماذا تتلاقح اليوم وتتنافس الحضارات كلها مع بعضها، تأخذ عن بعضها فتزدهر وتتقدم، إلا الحضارة الإسلامية بقيت متحجرة مغلقة على الحضارة الأوروبية التي ما زال المسلمون يتهمونها ويصفونها بحضارة الكفر، وفي الوقت نفسه يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار وينعمون بمختلف إنجازات الكفّار العلمية والتكنولوجية والطبية، دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده الكفّار قد فاتهم حتى أصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها.
وعندما يتحدّث هذا الكاتب عن إمكانية الإصلاح في الإسلام، فلا يتردد إطلاقا جازما ومشددا على استحالة هذا الإصلاح ما دام إنتقاد القرآن ومفاهيمه ومبادئه وتعاليمه أمرا محرّما يحول دون أي تحرّك، ويعقّم كل تفكير، وبقيّد كل مبادرة. فأي إصلاح ينتظر من شعوب تقدّس نصوصا جامدة عقيمة لا فائدة منها، وبالتالي يعتبرونها صالحة لكل زمان ومكان. وبالرغم من كل ذلك، نرى شيوخ الإسلام يرددون بكل غرور وتبجّح بأن المسلمين هم أفضل أمة أخرجها الله وأن غيرهم رعاع لا يستحقون حتى الحياة. ما هذه الزكيزوفرانيا التي بليت بها هذه الأمة؟
سؤالنا اليوم: كبف ستتمكن النخبة التنويرية العربية الإسلامية من مواجهة هذا الواقع؟ فرغم التشاؤم الذي يعيشه ويعاني منه معظم المفكرين الليبراليين المسلمين، فما زال هناك أمامهم بصيص أمل يدفعهم إلى المطالبة بمصارحة الذات بعيدا عن الكذب والنفاق والتقية والعنجهية والكبرياء، ثم المصالحة مع الاخرين واحترام تفوّقهم الحضاري والإعتراف بفضل انتاجهم العلمي والتكنولوجي الذي يغني الإنسانية جمعاء دون استثناء. عليهم أن يدركوا أولا مدى ضعفهم ويشخصوا أسباب تخلفهم وفشلهم وبؤسهم دون خوف أو حذر أو عقد دونية، كي يتمكنوا من إيجاد الدواء المناسب للعلل التي تقض مضجعهم.
لا يرى الدكتور حامد عبد الصمد أي حل سحري لهذه الأمة التي لا تؤمن إلا بشريعة محمد التي تستعبد عقول أبنائها وتخدّرها وتعقّمها، وبالتالي تقسّم العالم بين مؤمن مسلم وبين كافر غير مسلم، وبين دار الإسلام ودار الحرب. من المستحيل للأمة الإسلامية أن تتقدم وتبدع قبل أن تتحرّر من مآسيها وعقدها ومحرّماتها، وقبل أن تنجح في تحويل دينها إلى دين روحانيّ صرف يدعو الإنسان إلى علاقة مباشرة خاصة بينه وبين خالقه، وذلك دون تدخل أي نبيّ أو إنسان أو هيئة أو مؤسسة أو مافيا دينية في كيفية إيمانه وسلوكه.
هل سيكون الدكتور حامد عبد الصمد أحد كبار روّاد هذه الحركة التنويرية الإصلاحية التي طال انتظارها، وهل سيقرأ العرب ما كتبه هذا المفكر الثوري ويتفكرون بمضمون كتاباته ويستفيدون من توجيهاته ومنطقه العلميّ ؟ أم سيكفّرونه ويصدرون الفتاوى بقتله وتحريم مؤلفاته، تماما كما فعلوا مع غيره من المفكرين الإصلاحيّين؟
أملنا أن يجد المسلمون في هذا الكتاب طرحا جديدا يوقظ لدى قادتهم الدينيين والسياسيين وعيا عقلانيا نقديا ورصانة علمية صادقة فيسقط عن عقولهم غشاوة النفاق والتكاذب، حبا بالإنسان واحتراما لدعاة الخير والسلام.
------------
(*)
Dr. Hamed Abdessamad, Der Untergang der islamischen Welt. Eine Prognose.
Droemer Verag, 2010. 250 p.
الدكتور حامد عبد الصمد، انهيار العالم الإسلامي
مؤلف الكتاب باحث وروائي مصري يقيم في ألمانيا ويدرّس في جامعة ميونخ، وهو عضو بمؤتمر الإسلام الذي تشكل عام 2006 في ألمانيا للبحث قي قضايا المسلمين.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط