بسام درويش
/
Oct 08, 2002
أصدرت السلطات الأمريكية في مطلع هذا الشهر قراراً باعتقال ستةِ إرهابيين تم الكشف عنهم في مدينة بورتلاند في ولاية أوريغان حيث تمَّ اعتقال أربعة منهم هناك بينما اعتقل الخامس في وقت لاحق في ماليزيا، ولا زال البحث جارياً على السادس.
خمسة من هؤلاء الإرهابيين يحملون الجنسية الأمريكية. أما عن المنظمة الإرهابية التي ينتمون إليها، فلن نتوقع أن يفتح أحدٌ فمَه ويبحلق عينيه معبراً عن مفاجأته إذا قلنا أنهم مسلمون!..
************
بعد الحادي عشر من أيلول، نشطت أبواق الدعاية الإسلامية لإقناع الرأي العام الأمريكي، بأن الإسلام كدين، لم يكن هو المحرّض الرئيسي للإرهابيين على القيام بما قاموا أو يقومون به، كما حاولت بشتى الوسائل أن تلقي اللوم على سياسة أمريكا الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، أو غيرها من القضايا التي لها علاقة بالمسلمين بشكل أو بآخر. هذه المقولة ثبتت ضحالتها حين ألقي القبض بعد ذلك على "جوني ووكر" الذي عُرفَ باسم "الطالبان الأمريكي". ثم ثبت خطؤها بشكل قطعي حين أخذت الأحداث تفرز فيما بعد أسماء أخرى لمواطنين أمريكيين مسلمين، أُلقيَ القبض عليهم بتهمة العمل مع منظمات إسلامية إرهابية، ضد أمن وسلامة الأمة. آخر دفعة من هؤلاء، كانت المجموعة الإرهابية التي تم الكشف عنها في بورتلاند.
خيانةُ مواطنٍ لبلده ليست أمراً نادر الحدوث. هناك مواطنون يقومون بأعمال تجسس لصالح دول أجنبية. وهناك من تبلغ بهم الخيانة حد التآمر مع العدو ضدّ أمن وسلامة بلدهم. لكن ما تشهده أمريكا اليوم، هو أمر يختلف كل الاختلاف عن أعمالِ إرهابٍ أو خياناتٍ فردية والتي غالباً ما يكون الدافع إليها هو المال. ففي حالات كهذه، حين يتم الكشف عن خائنٍ أو عن إرهابيٍّ يعمل لنفسه أو لشبكةٍ من الشبكات، غالباً ما ينتهي الأمر بإلقاء القبض عليه وعلى أفراد شبكته.. وبإلقاء القبضِ عليه، تخسر أيضاً الدولة أو الجهة الأجنبية التي جندته عميلاً تحتاج لتجنيد غيره إلى جهود عظيمة. فقبول مواطن بالتجسس على بلده، ليس أمراً سهلاً مثل إمكانية خداعه باعتناق دين جديد.
ما تشهده الأمة الأمريكية اليوم هو عملية تجنيد جماعية علنية في الداخل، وعملية غزو من الخارج بصورة هجرة لم تنقطع رُغْمَ درسِ الحادي عشر من أيلول. ولكن ما يثير الفزع، هو أن العمليتين تجريان بشكل شرعي وبمعرفة السلطات التي لا تستطيع أن تفعل شيئاً تجاههما، إلا بحدود ما تسمح لها قوانينها أن تفعله. وفي كل مرة تحاول الحكومة استصدار قوانين تمنح أجهزتها الأمنية سلطاتٍ أوسع لمواجهة هذه المخططات الرهيبة، تقوم المنظمات الناطقة باسم الإرهابيين باستجداء عطف الرأي العام الليبيرالي، مدّعية بأن الحكومة بسعيها للحد من الحريات العامة تفتح المجال واسعاً أمام أعمال التمييز العنصري والديني.
مما يؤسفً له أيضاً، أن نرى وسائل الإعلام الأمريكي حتى المحافِظة منها، تجعل من نفسها منبراً لأصحاب الدعاية الإسلامية يعتلونه لخداع الرأي العام الأمريكي. وإنه لأمر يدعو للسخرية أن نسمع هؤلاء وهم يتحدثون عن أمريكا بقولهم "بلدنا" وعن الرئيس بوش بقولهم "رئيسنا" في الوقت الذي لا يتضمن حديثهم إلا تأييداً لصدام حسين وتبريراً لأعمال الإرهاب.
وهكذا، فإن العدو الذي تواجهه الأمة اليوم، لا يقبع على الحدود أو بعيداً عنها، بل إن له داخل الحدود جيشاً ضخم العدد ينتظر الأوامرَ ليقوم بالضرب في الوقت المناسب. لهذا الجيش داخلَ الوطن وبحماية الدستور، مراكزُ تجمّعٍ وتجنيدٍ وتدريبٍ لعملاءَ خطرين. لا بل إنّ له أجهزةً إعلامية من منظمات وصحف وإذاعات وغيرها. خطرُ هذا العدو يكمن في أنَّ لأفرادِ جيشه حرية التنقل والعمل والسكن في كل مكان. إنهم، وبعبارة أدقّ: بيننا في كل مكان، يسكنون شققاً قرب بيوتنا، ويعملون في مصانعنا الحربية ومفاعلنا النووية وفي دوائرنا الحكومية.
************
جوني ووكر كان حسبَ وصفِ أصدقائِه وأهلهِ إنساناً بسيطاً دمث المعشر، بينما كان خوسيه باديلا مجرماً تم تجنيده خلال فترة وجوده في السجن. كِلا المواطنين خانا أمَّتَهما بعد اعتناقهما الإسلام، وكلاهما أصبحا إرهابيين.
خيانة هؤلاء المواطنيْن لأمتهما وانخراطهما في صفوف المنظمات الإرهابية الإسلامية، دليلٌ على أن الإسلام يسلخ الإنسان عن كل ارتباط أخلاقي له بوطنه وأمته. فالذي لم يكن يميل إلى العنفِ يؤَهَّـلُ ليصبحَ إرهابياً، ومن كان ميالاً إلى العنفِ من قبلُ، كان مؤهلاً بطبعـــه ليكون مسلماً حقيقياً. إنّ هذا لدليلٌ على أن الإسلامَ خَطَرٌ على أيَّة أمةٍ ينتشر فيها. ومن المؤسفِ أن نقول بأنَّ الرأي العام الأمريكي، ربما يحتاجُ إلى كارثة أخرى، أسوأ وقعاً من كارثة الحادي عشر من أيلول، كي يعيَ تماماً مقدارَ خطورة هذا الدين على مستقبلِ هذه الأمةِ وعلى حضارتها وحضارةِ العالمِ أجمع.
إن ما لم يفهمْه الغرب بعد، هو أن اعتناق الإسلامِ لا يعني استبدال دين بآخر. الإسلامُ يختلف عن كل المذاهب الدينية في العالم من حيث كونه، حسب ما تنصُّ تعاليمه، دولة وديناً لا يمكن الفصلُ بينهما. اعتناقُ الإسلام يعني تنازلاً عن كل الالتزامات الوطنية لأن الإسلام يصبح هو الوطن والجنسية والدين.
إن معرفة هؤلاء المتأسلمين بتاريخ الشرق الأوسط، أو بفلسطين أو حتى بموقع فلسطين على الخريطة، هي كمعرفتهم بالقرآن التي لا تتجاوز حفظهم لكلمات الفاتحة وللآيات التي تعلّم على الكراهية، وبضع عبارات عربية لا تزيد عن عدد أصابع اليدين!.. لكنهم، مع ذلك، وبمجرد اعتناقهم للإسلام يصبح ولاؤهم الأول والأخير له فقط، كما يصبح التزامهم بقضايا العرب واجباً دينياً، وهذا يؤكّد قول الدكتور ناجي معروف في كتابه (أصل الحضارة العربية): "العربيُّ إذا تطرّف في عروبته، كان أقربَ إلى الإسلام، والمسلمُ، إذا تطرّف في إسلامه، كان أقرب إلى العروبة، بل كان عربياً!"
**************
المستقبلُ كتابٌ مشرّعةٌ صفحاتُه، صورُه قاتمة، وفصولُه تحوي من حكايات الإرهابِ ما لم تتضمنْه كتبُ البارحة. ولكن بيدنا أن نقف في وجهِ كتابة ونشرِ هذا الكتاب!
خلايا الإرهابِ ليست نائمةً كما يحلو للبعض أن يدعوها. إنما نحن النائمون!
خلايا الإرهاب مستيقظة نشيطة، ترصد وتخطط، بانتظار صوت الداعي إلى الجهاد.
خلايا الإرهاب أمامَنا ووراءنا وعلى يميننا وعلى يسارنا، لا يَفصِلُ بيننا وبينها بحرٌ ولا نهرٌ ولا سور!..
هواؤنا الذي يملأ صدورَنا قد يصبح سلاحاً بين أيديهم، ومياهُنا وثمارُ حقولُنا قد تصبحُ سُماً زعافاً في أحشائِنا. ولكن بيدنا أن نغيّر وجهَ هذا المستقبل القاتم، وما علينا من أجل ذلك، وخدمة لأجيالنا القادمةِ والعالمِ كُلِّه، إلا أن نسبقَ الدعوةَ للجهادِ بقرع طبـولنـا.
==========
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط