عندما يريد الإسلامي (سواء كان من تنظيم القاعدة أومن الإخوان المسلمين) استقطاب الآخرين فإنه يتظاهر بالبراءة في حديثه ويكرر كليشة بات يعرفها القاصي والداني إذ يقول: جرّبنا الرأسمالية وفشلت، وجربنا الاشتراكية وفشلت، وجربنا كل شيء.. وفشل كل شيء وفشلنا معه.. دعونا نجرب الإسلام!"
تذكرت هذا الحض غير البريء على الدعوة لتجريب الإسلام (والأسلمة) حين قرأت ماسمي بـ "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي" الصادر بتاريخ 16 تشرين أول 2005 حيث يبدأ الإعلان بالعرض الموجز لنتائج سياسة النظام السوري التخريبية على الشعب والدولة ثم يصل البيان إلى لفت النظر إلى أن ذلك "يتطلب تعبئة جميع طاقات سورية الوطن والشعب، في مهمة تغيير إنقاذية، تخرج البلاد من صيغة الدولة الأمنية إلى صيغة الدولة السياسية" فيخرج علينا بالحل الذي يتجسد بـ "إقامة النظام الوطني الديمقراطي" بصفته "المدخل الأساس في مشروع التغيير والإصلاح السياسي" ولا يتأخر البيان بإعلامنا أن: "الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب. تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء..!"
هكذا الخلاص إذن، باتخاذ الإسلام ثقافة لنا!!؟؟
كلا يا أخوة ـ مع احترامنا للإسلام ولكل أديان وعقائد الأرض ـ الإسلام لا يعكس ثقافتنا ولا نقرن التغيير في سورية بأن يكون الإسلام هو مكون ثقافتنا، فثقافتنا هي ثقافة القرن الذي نعيش فيه وليست ثقافة القرن السابع الميلادي، ثقافتنا هي التعايش والمساواة وليست ثقافة "خير أمة أخرجت للناس"، ثقافتنا تتسم بالمحبة والتسامح وليس بـ "القتل في سبيل الله.."، ثقافتنا هي ثقافة اختلافي معك في الرأي يزيدني من التصميم على الدفاع عن رأيك أمام الآخرين، وليس ثقافة ابن تيمية وأبو هريرة، ثقافتنا هي الحب والفن والموسيقا والأغاني والجمال وليس ثقافة تحريم الفن والتصوير وأغاني الحب والتغزل بالجمال، ثقافتنا إنسانية ولا تعرف نسف التماثيل الفنية مع صراخ "ما شاء الله" ولا جز الرقاب مع زعيق "الله أكبر" وتصويرها وتوزيعها على الانترنت.. ثقافتنا تتطلع إلى المستقبل ولا تتباكى على الماضي، ثقافتنا تقدس الإنسان ولا تستبيح دمه، ثقافتنا تحب الحب ولاتعرف الكره، ثقافتنا تقدس الجمال فتعرضه ولا تخفيه، وثقافتنا ترى الإنسان جميلاً فتقدسه.. لا أريد تعريفكم أكثر بثقافتنا لأنني متأكد أن ذلك لن يروقكم..
من أجل هذا الغيض من الفيض أقول: وإن كنت معنياً بالتغيير في سورية إلا أن إعلان دمشق لا يعنيني ولا يعني العلمانيين واليساريين ولا يعني أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى، فالمسيحي والعلوي والدرزي والإسماعيلي واليزيدي (مضافاً إليهم العلماني الذي يعيش في وسط مسلم لا يوافقون على أن الإسلام ثقافتهم.
نحن نتطلع إلى سورية المستقبل سورية العلمانية لا سورية الدينية.. والإسلام هودين من يدين به وذلك لا يعطي معتنقيه امتيازات وكذلك المسيحية وغيرهما من الأديان والمذاهب والمعتقدات والاتجاهات، وإذا كان لا بد من الاستمرار بالصلوات الإسلامية والأذان من خلال مكبرات أصوات الجوامع فيجب أن يحق للكنائس أن تقرع نواقيسها طيلة الوقت ويجب أن يكون للادينيين منابرهم التي يعلنون بها آراءهم من خلال مكبرات الأصوات ولمن يريد أن يغني عبر مكبرات أصوات تنصب حتى ولو بالقرب من الجوامع..، ومن لا يتحمل سورية التعددية أو سورية العلمانية فعليه الرحيل إلى مكته وكعبته والربع الخالي يتسع لهم جميعاً وليتركونا لمنطقتنا التي جاء الإسلام إليها دخيلاً. ومن لا يعرف ذلك فليقرأ كتب التاريخ التي كتبت بأيادي المسلمين أنفسهم.. هذه بلدنا ولن نقبل أن يكون خيارنا إما البعث وإما الإسلام.
على صعيد آخر لا أستغرب موافقة عدد من الأطراف على الإعلان المذكور فمن البديهي أن يوافق التجمع الديمقراطي عليه لأن الناطق باسمه حسن عبد العظيم هو مزيج من الروح الإسلامية واللوثة القومية كما أن "حزب الشعب الديمقراطي" أو الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي سابقاً) لا يخفي تنسيقه وتعاونه مع الأخوان المسلمين منذ السبعينات، فالقائمون على هذا الحزب خربوا الحزب الشيوعي السوري أولاً ثم قامروا بحزبهم حين ضحوا بالحزب فقط من أجل الأخوان المسلمين، وحتى أن السيد رياض الترك قال مؤخراً لزعيم الأخوان عبر برنامج تلفزيوني أن الأخوان المسلمين هم أكثر التنظيمات السورية تنوراً. ولكن ما أستغربه حقاً هو مساندة حزب الإصلاح السوري لهذا الإعلان لأن حزب الإصلاح يطرح نفسه كحزب علماني وحديثاً كتب رئيس الحزب فريد الغادري مبرراً أن سبب انسحابه مما سمي بالمجلس الوطني السوري الذي انبثق عن اجتماع المعارضة السورية في أميريكا بتاريخ حزيران 2005 هو أن التواجد الإسلامي بين المجتمعين كان جلياً! ماهو مبرر حزب الإصلاح في الموافقة على أن الإسلام هو ثقافتنا؟
من يريد الإسلام ثقافته فليكن ذلك أمراً خاصاً به ولا يعمم ذلك علينا، فنحن لسنا مسلمين ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع فرض الإسلام وثقافة الإسلام علينا، هذا ما يجب أن يفهمه الأخوان المسلمين ومن يتحالف معهم ومن يناصرهم. ننشط ضد نظام البعث، ولكننا لن نكون جسوراً ليعبر علينا الإسلاميون.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط