بسام درويش
/
Jun 15, 1994
لا تخلو صحيفة عربية مهجرية من إعلانٍ لمنجِّمٍ أو قارئ كفٍّ أو فنجان، ينافس فيه معلناً آخر من أمثاله، معدِّداً مواهبه العظيمة وقدراته العجائبية على جمع الأحباب وكشف الكنوز وتفريق الحساد وإزالة عيون الشيطان..
نكشف الأسرار، نقرأ الكف والأفكار.. نفك المربوط ونقول المزبوط.. العاقر عندنا تحبل والعاطل عن العمل يعمل.. مختصون في كتابة التعويذات والحجابات وحلحلة العقبات والتوفيق بين الأزواج والزوجات وجمع شمل المحبين والمحبات... ودقّي يا مزّيكة!
منهم من يعلن عن بضاعته هذه مؤكداً على "أن النتائج مضمونة!" والبعض الآخر يذكر في إعلانه أنه متخصص (!) في إزالة السحر وعيون الشيطان وتقريب الأحباب، ولكرم أخلاقه يعلن أيضاً أنه مستعدٌّ لأن يقدّم بعض ما أفاء الله عليه من علم وتخصص في تدريس هذه المواد لمن يرغب من الناس.
هذا يدعو نفسه دكتوراً دون أن يذكر اسماً للجامعة التي أعطته شهادة الد كتوراة، والآخر، مستشاراً للعائلات الملكية، والله وحده يعلم مَن مِنْ هذه العائلات يقصد بإعلانه، لا بل وكأنَّ استشارة أحد أفراد هذه العائلات له يجعل من علمه أمراً موثوقاً.
وآخر يعلن عن خدماته مذيلاً إعلانه بعبارة تقول أن شعاره في هذه المصلحة هو الصدق والأمانة!
و"الصدق والأمانة"، شعارٌ، ربما يستطيع أن يضحك على ذقون الناس به تاجر توابل أو بائع للسيارات المستعملة. نتوقعه من "الميكانيكي" الذي نأخذ له السيارة لتغيير الزيت فلا يقنعنا بضرورة تغيير المحرّك كله.
نتوقعه مثلاً من المحامي الذي نوكل إليه قضية فلا يبيعنا الوعود أو يتلاعب بالعقود. ونتوقعه من الطبيب الذي نزوره لنشكو له وجعاً في الرأس فلا نخرج من عيادته إلا بكشف حساب يوجع القلب والرأس معاً..
نتوقع الأمانة من الصحافي في نقل الأخبار دون أن يتلاعب بها، أو في الإعلان عن مصدرها حين ينقلها حرفاً حرفاً من صحيفة أخرى.
كما نتوقع الصدق والأمانة من المحاسب والعامل ورب العمل والمتعهد والسمسار والنجار وخادم البار!
أمّا أن يحاول أحدٌ ما إقناع الناس بأنه صادق وأمين في علوم الكفّ وقراءة الفناجين، فهو ولا شك أمرٌ يدعو الى أكثر من ابتسامة!
*******
من التراث الشعبي حكايةٌ تقول أنّ امرأة عاقراً جرَّبت المجرَّب وغير المجرَّب وقصدت فيمن قصدت أطباء ومشعوذين وشيوخ وكهنة وأولياء.. تنقلت بين قبر الست زينب ومار شربل وخوفو وخفرع وعبد الناصر.. رفعت صلواتها ولم تبخل بنذورها على أحدٍ ابتداء من موسى حتى الفيس برسلي.. ولكنَّ المسكينة لم تحبل!
سمعت أخيراً بأحد الشيوخ الأتقياء الورعين، وقيل لها أن سمعته مثل البخور وأنه لا يعالج سوى عشر حالات في كل سنة.. لأن له حصة أو مقدار معيَّن من الحالات يَسمح له المولى بالنظر فيها، أي ما يعرف بالإنكليزية بكلمة "كوتا"..
قصدته المرأة المعذَّبة.. قبّلت يديه وسكبت في حضرته الدموع الغزيرة.. فوافق أخيراً أن يتجاوز الكوتا ويستقبلها.
وبعد أن عبّق الشيخ الجليل المكان بروائح البخور.. وتوقّف جسمه عن الارتعاش والرقص، كتب لها تعويذة وتمتم فوقها بأدعيته التي لا يسمعها أحد سواه، ثم وضعها داخل علبة صغيرة غلَّفها بإحكام طالباً منها أن تعلقها حول رقبتها ولا تسمح لأحد أن يفتحها أبداً. وقال لها أنها بإذن المولى ستحبل وتصل الى مبتغاها ولكن ما عليها سوى أن تكون صبورة لأنَّ ذلك قد يأخذ بعض الوقت!..
وحبلت المرأة بعد عشرين شهراً فكان أول ما قررت القيام به بعد وضعها هو أن تزور الشيخ الجليل لتؤدي له الشكر والاحترام. وفي طريقها الى القرية خطر ببالها أن تفتح العلبة وتقرأ التعويذة فتعرف السر العظيم وراء حملها وولادتها.. ففعلت ذلك ولدهشتها وجدت داخل العلبة قصاصة صغيرة من الورق كتب عليها: "إذا حبلتِ، حبلتِ.. وإن لم تحبلي، إنشالله عمرك ما تحبلي!.."
ذاك كان بالحقيقة وإلى حدٍّ ما صادقاً وأميناً!
***********
يقول المثل الشعبي: "يللي بإيدو القلم، ما بيكتب حالو من الأشقياء"، أي أن من له القدرة على تقرير المصير، لا يعقل أن يضع نفسه على قائمة الأشقياء أو الخاسرين. وعلى ذلك، فإذا كان لأحدٍ القدرة على كشف الكنوز كما يدّعي، فأين تراه يخبّئ هذه الموهبة العظيمة عندما تبلغ قيمة الجائزة الكبرى في اليانصيب عشرات الملايين من الدولارات؟.. أم حقاً أنَّ "الإسكافي حافي والحايك عريان"!
**********
بسام درويش. من كتابه "لا حياة لمن تنادي" طبع سنة 1997
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط