هشام محمد / Jul 24, 2008

كلما طالت المسافة بين الأحياء والأموات، كلما تكاثف ضباب الأساطير وتوارت شمس العقل. وكلما بعدنا عن موتانا من السلف الصالح خطوات، كلما بدت أحجامهم من بعيد كبيرة بدلاً من أن تكون صغيرة، وهاماتهم طويلة بدلاً من أن تكون قصيرة. 

مات النبي محمد دون أن تمن عليه السماء بأي معجزة فيزيائية يبدد بها ظلمة الكفر في قلوب قومه، ويضيئها بنور الإسلام. ألحَّ عليه قومه في مكة بالطلب حتى جفت حلوقهم بأن يصنع ولو معجزة يتيمة، حتى ولو كانت مطراً من حجارة تنهال فوق رؤوسهم، فلم يرجع إليهم إلا بمعجزة بلاغية، لا هي بشعر ولا هي بنثر، لها حلاوة، وعليها طلاوة، أعلاها مثمر، وأسفلها مغدق، كما ينسب إلى سيد قريش ورأس الكفر أمية بن خلف.

 

التحق النبي بالرفيق الأعلى متأثراً بلحم الشاة المسمومة تاركاً لنا معجزته الوحيدة، مشتتة ما بين آيات مخبوءة في الصدور، وأخرى منقوشة على ذاكرة العظام والنخيل.  وبعد انطواء مئات السنين بدأت تتشكل في رحم القرون معجزات نبوية، تغذيها لوعة الأحفاد على سيدهم الفقيد.  معجزات لو رأتها قريش ساعة لما تكبد محمد مشقة الدعوة ثلاثة عشر سنة عجاف.

معجزات محمدية تتناطح في غرابتها وقوتها ومهابتها مع المعجزات الموسوية والعيسوية وباقي أنبياء بني اسرائيل.  لم يكتف الخلف بالقرآن كدليل لا يرقاه الشك حول نبوة محمد حتى لو ملأ صراخهم وزبدهم الكون بشأن عظمة القرآن وإعجازه.  ماذا ينقص النبي العربي ـ هكذا ربما كانوا يتساءلون ـ عن أخوته ممن بعثهم الله لبني إسرائيل؟  لماذا تلتهم عصا موسى المتعددة الوظائف حبال سحرة فرعون وتمزق جسد البحر إلى نصفين بينما لا يحظى حفيد عدنان بشيء مثل هذا الابهار السينمائي؟  لماذا كان المسيح ابن مريم قادراً على إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص والأعمى فيما يعجز ابن آمنة عن إحياء لو نملة؟

إذاً، فلنجعل الماء يتدفق من بين أصابعه الكريمة، ولنجعل الغزال والذئب يكلامانه ويكلمهما، ولنجعل الأشجار تمشي إليه وتشتبك أغصانها على عورته، ولنجعل جذع الشجرة يبكي فراقه ولا يهدأ أنينه إلا بعد أن يعانقه النبي، ولنجعل بوله النبوي شفاء للبدن من كل ضر، ولنجعل بصاق أبي القاسم غراءً يلحم أيادي وأقدام أصحابه المقطوعة، ولنجعل ما تشاء وتشتهي.  قليل من الخيال وكثير من الحب كفيل يا صاحبي بخلق معجزات مدهشة ومفحمة ومسكتة تجعل الفرقان يتصبب أمامها عرقاً من الخجل. 

هل جاء النبي محمد بمعجزات؟ الإجابة بلا، ولا كبيرة بحجم المعجزات الكرتونية.  إلا أنه حب الخلف الذي يصنع "المعجزة" وينسبها للسلف.  حب جارف ومتدفق تصقله قساوة غياب الأب، وتعمقه آلام الهزائم، وتذكيه انكسارات الذات الجريحة، فيغدو في آخر الأمر نياشين وأوسمة نعلقها على صدور من نحب ونجل.  أليس صحيحاً أننا نرى فيمن نحب كل شيء جميل؟ أليست الأم ترى ابنها الأفضل من بين الأبناء؟ أليس الطفل الصغير يرى أباه الأقوى من بين الآباء؟

ثم تعال وانظر إلى الإطار الزماني والمكاني حيث دارت تلك المعجزات العجائبية، جلها أو كلها وقعت في المدينة وليس في مكة.  ما الداعي للمعجزة بعد أن جفت الأقلام وطويت الصحف وصارت كلمة محمد هي العليا وكلمة خصومه هي السفلى؟  ما قيمة تلك المعجزات مادامت الناس قد أسلمت طوعاً أو خوفاً؟  أما كان من الأولى أن تتبرع السماء بمعجزة منذ بواكير الدعوة حتى تنزع فتيل الشك من رؤوس قومه، وتلين بها قلوبهم، وتختصر بها مسافات الألم والتعب التي سار فيها النبي واتباعه المستضعفين؟

وإذا قفزنا فوق شوك الأسئلة المشروعة، اصطدمنا بإشكالية أخرى وهي خصوصية المعجزة بدلاً من عموميتها.  بكلمات أخرى، المعجزات المنسوبة للنبي ما عاصرها الناس كافة، وما عاشها أهل المدينة عامة، حتى تزيل الغشاوة من على أعين الكافرين والمنافقين واليهود، وتزيد من في قلبه إيمانٌ إيماناً.  معجزات أوصلها البعض إلى ثلاث الآف، ومع هذا فإن أحداً لم يرَها ولم يحدث بها إلا صحابي واحد كما شأن أحاديث الآحاد المشكوك في مصداقيتها والتي تمثل جل الأحاديث النبوية الشريفة (!)

هل يملك عقلك البشري الصغير الحق في التشكيك في ومساءلة معجزات النبي وأصحابه الباهرة، وبطولاتهم الخالدة، ومواقفهم المشرفة، وأقوالهم المؤثرة حتى لو بدت ساذجة للعيان أو منافية للحقائق أو مخالفة للعقل والبرهان؟  طبعاً لا يمكنك إلا التصديق والقبول، ولو ظاهرياً، بما يخلع عليهم من أمجاد، وما يسكب على رؤوسهم من طيب، وإلا جزت رقبتك، جزاءً لك وعبرة لغيرك.  من المحزن أن إسلام المرء يسبح فوق طبقات متراكمة من الأساطير والخرافة حتى لو تذرع المسلم بالعقل في اكتشاف الطريق إلى الله.  ولو كان المسلم حقاً متسلحاً بالعقل لما كان بحاجة إلى خلق المعجزة تلو المعجزة حتى يجد سبباً في التسليم بنبوة محمد ووحدانية الله.  أتساءل هنا: ماذا لو ذابت طبقات الخرافة في عقل المسلم...ماذا سيبقى من الإسلام؟!

================         

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط