د. عبد الخالق حسين / May 23, 2007

أخبار مرعبة ومخجلة في آن، تتناقلها وكالات الأنباء عن تفشي هستيريا العداء والاعتداءات المتكررة على المسيحيين من قبل المتطرفين الإسلامويين، تجتاح بعض الدول العربية والإسلامية، وبمرأى ومسمع من حكوماتها ورجال الدين المسلمين فيها، ولكن هؤلاء يغضون النظر عن هذه التجاوزات الخطيرة مما أدى إلى تمادي الإرهابيين في غيهم وارتكاب المزيد من جرائمهم بحق أناس مسالمين أبرياء من أصحاب الديانات السماوية والتي يعترف الإسلام بها ويعتبر أصحابها من أهل الكتاب. إلا إننا وكما يبدو، نعيش في عصر الانحطاط والغياب الكلي للعقل وموت الضمير، وتفشي الفوضى وحكم الطالبان أو القرقوش، سواء كان هؤلاء الطالبان في الحكم كما كان الوضع في عهدهم في أفغانستان، أو خارجه كما هي الحال في مصر وباكستان والعراق الآن.
دعونا نذكر بعض النماذج من هذا العدوان:

في العراق
ففي العراق هناك الفلتان الأمني منذ سقوط الفاشية يوم 9 نيسان/أبريل 2003، بشكل واضح والحكومة عاجزة لا حول لها ولا قوة للسيطرة على الوضع، لأن المليشيات الإسلامية والبعثية وفلول القاعدة هي وحدها صاحبة السلطة والأمر والنهي، تعيث في الأرض فساداً مثل الكلاب السائبة والوحوش الضارية بلا رقيب أو ردع، تنشر الرعب والقتل في كل مكان بغض النظر عن ديانة ومذهب المواطنين. إلا إن حصة المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيدين بشكل مضاعف، ويكاد العراق يخلو من أصحاب هذه الدينات الأصيلة بسبب القتل الجماعي والتهديد المتواصل الذي يستلمونه من الإرهابيين الإسلامويين. ولم يسلم من هذا القتل حتى الكرد الفيلية الذين هم مسلمون شيعة، فقد جرت مجزرة رهيبة بحقهم في مدينة مندلي في الأسبوع الماضي على أيدي الإرهابيين الوهابيين ممن يسمون أنسفهم بإمارة دولة الإسلام.

ويمكن تلخيص الوضع الذي يواجهه المسيحيون بما حصل في مدينة الدورة جنوب بغداد على سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما ورد في صحيفة (عينكاوا كوم) الإلكترونية التي تشير: "الى تزايد جرائم تهجير المسيحيين منها، وتهديدهم بالذبح إذا لم يدفعوا الجزية، أو يشهروا إسلامهم علنا في الجوامع، وذلك بالرغم من مناشدة رؤساء الكنائس المسيحية الحكومة العراقية وضع حد لهذه الجرائم." وتضيف الصحيفة: " وبحسب معلومات مؤكدة وصلتنا، أجبرت الجماعات الإرهابية المسلحة التي تتخذ من الدين الأسلامي ستاراً لتنفيذ جرائمها قبل أيام 14عائلة مسيحية في الدورة الى ترك منازلها عنوة تحت تهديد السلاح، دون السماح لها بأخذ أي شيء معها سوى الملابس التي كان أفراد هذه العوائل يرتدونها."
وقبل هذه الأحداث المأساوية المؤلمة، كان الإرهابيون من أتباع جيش المهدي، وهم بمثابة طالبان شيعة، قد فرضوا الحجاب حتى على غير المسلمات، وأغلقوا محلات بيع الخمور وأشرطة وأقراص الغناء والموسيقى ودور السينما في البصرة وبغداد ومعظم المحافظات وقتلوا العديد من أصحابها خاصة في مدينة البصرة التي تكاد تخلو من المسيحيين والصابئة. إضافة إلى عمليات حرق الكنائس في بغداد والموصل قبل عام.
كتبت لي سيدة مسيحية عراقية رسالة تقول فيها بحق: "إن الشيعة والسنة والأكراد يتصارعون فيما بينهم في العراق على الأرض والنفوذ والسلطة، أما المسيحيون فلا ينافسون أحداً على أي شيء، فقط يريدون أن يعيشوا بسلام، فلماذا لا يتركونهم على حالهم؟"
وقرب مدينة الموصل أوقف مسلحون ملثمون من الإرهابيين الإسلاميين قبل أسبوعين حافلة تنقل عمال كادحين إلى مناطق سكناهم، فأخرجوا الأيزيديين وعددهم 22 شخصاً وقتلوهم جميعاً أمام زملائهم وبدم بارد.

في باكستان
وفي باكستان تفيد التقارير عن تهديدات تصل المسيحيين هناك رغم قلتهم تطالبهم بأن يختاروا بين التخلي عن دينهم واعتناق الإسلام أو الموت. وهذا ما حصل في مدينة باكستانية حدودية مع أفغانستان معظم سكانها متعاطفين مع الطالبان. وقد طلب المسيحيون الحماية من الحكومة إلا إن الأجهزة الأمنية لم تعر بالاً لطلبهم.


 

في مصر
أما في مصر فمحنة الأقباط بلغت حداً لا يطاق وصارت مزمنة منذ عام 1972 حيث تتكرر تقريباً في أيام الجمع إلى حد صار يوم الجمعة من الأيام المرعبة التي تحمل الشؤم إلى المسيحيين المصريين. أما لماذا يوم الجمعة، ورغم أن الأيام الأخرى من الإسبوع ليست آمنة لهم تماماً، فلأن يوم الجمعة هو اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون في مساجدهم ويقوم أئمة المساجد وخطباء صلاة الجمعة بشحنهم بالعداء ضد المسيحيين، فيخرج المصلون بعد أداء الصلاة لإكمال نيل الثواب بالاعتداء على المسيحيين.

ففي بحثه القيم الموسوم (جمعة حزينة أخرى على أقباط مصر) سجَّل الأستاذ مجدي خليل قائمة من نحو 20 يوماً من أيام الجمع الدموية الحزينة "من أحداث حرق دار الكتاب المقدس بالخانكة 6 نوفمبر 1972 إلى الإعتداءات الاثمة على الأقباط بقرية بمها بالعياط يوم 11 مايو2007 ، هناك المئات من الإعتداءات الكبيرة والصغيرة التى وقعت على الأقباط وستستمر هذه الإعتداءات كمعبر عن الاضطهاد الذي يقع عليهم وتتكاتف عوامل كثيرة فى استمراره سواء كانت مجتمعية أم من مؤسسات الدولة بسلطاتها الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية." ويضيف "بخلاف العشرات من الحوادث والإعتداءات الأخرى التى حدثت فى ايام اخرى غير الجمعة والكثير منها استهدفت الأقباط فى مناسباتهم الخاصة واحتفالاتهم وأيام الآحاد ونذكر منها" (الرابط أدناه.)

ويبدو أن هناك تواطؤاً بين السلطة وأجهزتها الأمنية والإعلام والغوغاء الذين يقومون بالعدوان على الأقباط المسالمين، إذ كما قال الأخ مجدي خليل: ".. فهناك الإنكار وهو ادعاء أن كل شئ على ما يرام وأن ما حدث يعبر عن اتجاهات فردية يقوم بها شخص مجنون أو غير عاقل بما في ذلك نفى هذا الاتجاه لوجود تمييز يقع على الأقباط من أساسه."

في الحقيقة إن ادعاء المسؤولين بوصف الجناة بالجنون هو تهمة وإهانة لقطاع واسع من المصلين الذين ينفذون هذه الجرائم بعد صلاة الجمعة، لأن هذه الجرائم تتكرر في أيام الجمع ومن قبل أعداد كبيرة من المصلين، ومعنى ذلك أن هؤلاء يصابون بالجنون الجماعي فقط بعد صلاة الجمعة!!
كما ويعتبر هذا الادعاء تهمة وإهانة للسلطة، لأنها تكشف عجزها في السيطرة على الوضع وحماية مواطنيها من الأقباط من بطش الجناة الإسلاميين المتطرفين. كذلك يعتبر إهانة للإسلام نفسه كدين، لأنهم يعتبرون التعاليم الإسلامية تدفع المؤمنين بها إلى نوع من الهستيريا العدوانية والجنون الجماعي لارتكاب الجرائم بحق المسيحيين المسالمين الأبرياء بعد الاستماع إلى خطبة الجمعة وأداء فريضة الصلاة.
وعليه فعلى السلطة ورجال الدين والإعلاميين أن يتداركوا الأمر وإلا فإنهم متواطئون مع المجرمين، وليعلم هؤلاء إذا لم يتخذوا الإجراء المناسب لوقف العدوان فأن المحصلة النهائية تكون كارثة على الجميع.

 

موقف رجال الدين

يمكن تصنيف موقف رجال الدين إلى نوعين:

الأول، رجال دين معتدلون ولكنهم لا يعيشون في عالم الواقع، فهؤلاء بدلاً من أن يكشفوا للعالم وجه الإسلام الحضاري، مثل الدعوة للتعايش السلمي بين الأعراق والأديان والمذاهب المختلفة ونشر روح المحبة والتسامح بين الناس، نراهم بدلاً من ذلك منهمكين بالمسائل التافهة مثل إرضاع الكبير والتبرك ببول الرسول وشربه وغيره. كذلك الإهتمام البالغ هذه الأيام بالطب النبوي وفوائد بول البعير!! فمعظم هؤلاء من رجال الدين مصابون بالهوس الجنسي واحتقار المرأة والعمل على عزلها وفرض الحجاب والنقاب عليها وكأن الإسلام لا هم ولا غم له سوى الجنس واضطهاد المرأة.


فقد كثرت في الأيام الأخيرة فتاوى جعلت من الإسلام وسيلة للسخرية ومنها مثلاً: جواز إرضاع الموظفة لزميلها في العمل بما لا يقل عن خمس رضعات وبعدها تحل عليهما الخلوة!! وفتوة أخرى تمنع المرأة من الإنترنت إلا وبوجود محرِم معها!! كما و صدرت فتاوى من قبل مشايخ الوهابية في السعودية تقضي بتحريم تقديم الزهور للمرضى إثناء زيارتهم لهم في المستشفيات، وفتوى بتحريم الجلوس على الكرسي الذي جلست عليه المرأة وذلك لما يسبب جلوسها من حرارة في المكان فتثير شهوة الرجل الجنسية، وغيرها من الفتاوى الغريبة والعجيبة والسخيفة في زمن الانحطاط والذي يسمونهم خطأً بالصحوة الإسلامية، الزمن الذي صار فيه تقديس الجهل ومحاربة العقل من الواجبات الدينية ويدفع الإنسان حياته إذا تمسك بعقله في هذه البلدان.

 

فهل انتهى هؤلاء من حل مشاكل المسلمين في بلدانهم حتى يشغلوا الناس بمثل هذه الترهات والتفاهات من الأمور؟ إن هذه الفتاوى إن دلت على شيء فإنها تدل على تهافت وتفاهة عقلية هؤلاء الذين يسمون أنفسهم برجال الدين. وإن كانوا فعلاً رجال دين فهذا يدعونا إلى الاعتقاد بأن الدين يؤدي إلى البلادة والجمود العقلي ومنع الإنسان من التفكير السليم، ويؤكد صحة مقولة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو أن "الدين هو عقل من لا عقل له".

 

الصنف الثاني من رجال الدين، يضم الإسلامويين، أي السياسيين الذين اتخذوا من الإسلام مطية لهم لتحقيق أغراضهم السياسية، وهم الذين يثيرون الغوغاء ويحرضون الشباب على قتل من يختلف معهم في الدين والمذهب، وهم مشعلو الفتن وخالقو الإرهاب الإسلامي. ومن أمثال هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة وأبو حمزة المصري الذي يقضي الآن في أحد السجون البريطانية، وغيرهم كثيرون الذين يجب تقديمهم إلى المحاكم ومقاضاتهم على تحريضهم للإرهاب وفق قرار الأمم المتحدة الذي صدر قبل عام في هذا الخصوص. ولكن مع الأسف الشديد نرى فقهاء الموت ومصدري فتاوى الإرهاب في البلاد العربية يحتلون الفضائيات ويواصلون عملهم بمباركة من حكوماتهم في حث الشباب على الإرهاب وتحت مختلف المعاذير، يفسرون النصوص الدينية خارج سياقها التاريخي، وبذلك نجحوا في كسب الشباب المحروم من الثقافة ومتع الحياة وخدعهم وغسل عقولهم وتحويلهم إلى عبوات بشرية ناسفة لقتل الأبرياء.


لقد اتخذ الإسلامويون الأقليات الدينية وخاصة المسيحيين في البلاد الإسلامية والعربية رهائن لهم يبتزون بهم الغرب، فيستخدمونهم كباش فداء لفشلهم في حل مشاكلهم السياسية والاقتصادية. لذلك تواجه هذه الأقليات الدينية خطر إبادة الجنس على أيدي المتطرفين الإسلاميين وبمباركة من فتاوى بعض رجال الدين وصمت الحكومات العربية والإسلامية. وهذه الإبادة تجري الآن على قدم وساق في قتل المسيحيين وإرغامهم على تغيير دينهم في دارفور على أيدي ميليشيات الجنجويد الحكومية (السودانية)، وعلى أيدي الغوغاء المتطرفين في مصر وباكستان، ومن قبل الإرهابيين في العراق. إن استهداف الأقليات الدينية المسالمة في البلاد العربية والإسلامية دليل على جبن المتطرفين الإسلاميين وجهلهم فيرون في هذه الأقليات هدفاً سهلاً لاستعراض عضلاتهم وبطولاتهم الزائفة والتعويض عن هزائمهم في المجالات الأخرى.


إن ما يواجهه المسيحيون وغيرهم من غير المسلمين في بعض البلدان العربية والإسلامية هو مأساة إنسانية حقيقية كبرى، تحتم على أصحاب الضمائر الحية التحرك السريع والفعال بإيصال صوت المظلومين المهددين بالإبادة إلى جميع الحكومات والرأي العام العالمي والمحافل الدولية وخاصة الأمم المتحدة لإرغام حكومات هذه البلدان على القيام بواجباتها الأساسية ألا وهي حماية مواطنيها المسالمين من الغوغاء وتطبيق حكم القانون.
فهل من مجيب؟

ـــــــــــــ
مقالات ذات علاقة، مجدي خليل:  جمعة حزينة أخرى على أقباط مصر

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط