بسام درويش / Jun 01, 1997

(المرأة في بلادنا أصبحت وزيرة، ومعلمة، وقبطانـة طائرة، وصاحبة مصنع، ومديرة أعمال، وطبيبة، ومهندسة، وشرطية، وحتى حارسة شخصية للعقيد القذافي، وهي بذلك قد أصبحت منافسةً للرجل في كل أعماله ومساوية له في كل حقوقه!.. وعليه، فإن الذين يحاولون الحطّ من كرامة المرأة العربية أو الشرقية عن طريق مقارنتها بالمرأة الغربية ليسوا إلاّ جهلة وحاقدين. فالمرأة الغربية لا زالت حتى اليوم غير مساوية للرجل في كل حقوقه رغم أنها تنتمي إلى مجتمع نال حريته واستقلاله منذ ما يزيد عن القرنين من الزمن، بينما لا زالت المجتمعات العربية تنفض عنها آثار ما يزيد عن أربعمئة سنة من الحكم العثماني الذي عزل العالم العربي عن مسيرة الحضارة والتقدم.) 

 

ما أتينا على قراءته الآن هو عادة ما يجيب به الذين يتصدّون لكل من يحاول الحديث عن وضع المرأة العربية وما تعانيه من ظلم مجتمعها وقوانينه البالية، وهم بتصدّيهم هذا ليسوا في الحقيقة عمياناً أو جاهلينً بل متعامين ومتجاهلين. 

 

إنهم يعرفون بأن المرأة العربية قد كانت ولا زالت ولسوف تبقى إنساناً من الدرجة الثانية مهما شغلت من وظائف عالية ومهما حصلت على درجات جامعية أو اجتماعية.  فكونها أصبحت معلمة أو طبيبة أو شرطية أو مهندسة لا يعني شيئاً طالما لا زالت ترزح تحت قوانين الأحوال الشخصية التي تعود إلى القرن السابع للميلاد. 

 

الشرائع الدينية التي جاءت تأمر الإنسان أن يحبّ ويعفو ويعطي، أو أن لا يسرق أو يقتل أو يحسد، إنما هي تعاليم صلحت لذلك الزمان وتصلح لهذا الزمان كما ستصلح لكل زمان. أما الأنظمة الاجتماعية والقوانين المدنية التي جاءت لتتفق مع عقلية مجتمع قبلي، فهي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تصلح لمجتمع هذا العصر، تماماً كما أنّ قوانين هذا العصر قد لا تصلح أيضاً لمجتمع العصر الآتي. 

 

لذلك فإنّ المتحجّرين المتزمّتين إذ لا يستطيعون الفصل بين قوانين الدين المدنية من جهة وتعاليمه الأخلاقية من جهة أخرى، فإنما هم لا يؤدون الدين خدمة، لأنهم هم الذين يعملون على فنائه بأيديهم.  ولذلك فليس غريباً أن نرى الغالبية الساحقة من الناس قد أخذت تجد في الدين حجر عثرة في وجه التقدم، ليس بسبب الدين نفسه بل بسبب أولئك الذين يسمون أنفسهم برجال الدين، والذين يدّعون انهم حماة له معتقدين، وهم على خطأ في اعتقادهم، أن ليس هناك من يحقّ له أن يفسـّر الدين أو يفهمه إلاّ من خلالهم فقط.

 

صحيح أن المرأة الغربيـة لم تنل بعد كل حقوقها، ولكنها حين تسعى إليها فإنها لا شك حاصلة عليها، إذ ليس هناك خطّ قد رسم لها سلفاً لا يحق لها تخطّـيــه، بعكس المرأة العربية التي ما أن تدنو من هذا الخط فتقول ما لا يجوز أن يُقـال، حتى تعلو الأصوات التي تصفها بالكفر والإلحاد والعهر، وتلوح فوق رقبتها السيوف مهددة بقطعها.  أمّا ما يدعو إلى الاستغراب ، فهو أن كثيراً من هؤلاء السيّافين قد هربوا من ذلك المجتمع ولجأوا إلى هذا الطرف من العالم لينعموا هم أنفسهم بحريتهم التي حُرموا منها ‎‎‎ حيث كانوا، ولكنهم بخلوا على المرأة الهاربة معهم أن تنعم أيضاً بهذه الحرية، فحملوا معهم سيوفهم التي حوّلوها هنا بقدرة قادر إلى أقلامٍ طعنُها أشدّ مضاضة من طعن السيوف، وإلى ألسنةٍ سُـمّها أشدّ فتكاً من سم الأفاعي.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط