بسام درويش / Jan 02, 2003

قبل الحادي عشر من أيلول السيئ الذكر، لم يكن الحديث عن معاناة المرأة المسلمة وحقوقها المسلوبة كما هو عليه اليوم. أما اليوم، فعندما يدور حديثٌ عن مظالم المرأة في أي مكان، سرعان ما يصبح الإسلام هو المحور الرئيسي لهذا الحديث. إنّ الحق يقال، بأنه رغم بشاعة الجريمة التي ارتكبها بن لادن في ذلك اليوم، فإنه قد أدّى للمرأة المسلمة خدمة لا تُقّدر بثمن، إذ سلّط الأضواء عليها وعلى ما تعانيه من ظلم في ظل تعاليم هذا الدين. لا بل يمكن أن يُقال، بأنَّ بن لادن قد أدّى أعظم خدمة للبشرية جمعاء. لقد فتح أعين العالم على ما تتضمنه تعاليم الإسلام من خطر على الإنسانية وعلى مستقبل الحضارة.   

هنا، ولوجه العدل، لا بدّ من القول قبل الاسترسال في الحديث، أنّ المرأة قد عانت من الظلم في ظل كل السلطات الدينية والمدنية وفي كل مجتمعات العالم؛ لا بل أنها لا زالت تكافح للوصول إلى المساواة الكاملة مع الرجل في كل الحقوق حتى في بعض المجتمعات المتقدمة. مع ذلك، يمكن القول بأنها لا شكّ بالغة أهدافها، إذ ليس بينها وبين هذه الأهداف إلا عامل واحد وهو عامل الزمن، لكن، وإذ يصحّ هذا القول عن وضع المرأة في كل مكان وفي ظل إي نظام، فإنه لا يمكن أن يقال عن وضعها في ظل نظام الإسلام.

 في ظل نظام الإسلام ليس هناك عاملُ زمنٍ يفصل بين المرأة وحقوقها، لأنّ كفاحها لنيل هذه الحقوق ليس مع سلطة دينية أو مدنية أو اجتماعية، إنما مع سلطة أعظم، هي سلطة الله نفسه.

لقد قرر هذا "الله" للمرأة المسلمة كل خطوة من خطواتها وكل حركة من حركاتها، وسنّ لها القوانين التي تتعلق بكل أوضاعها، عظيمة كانت أو تافهة. ولكي يضمن هذا الله تنفيذ سنّته التي حظّر أيّ تبديل فيها، (1) فقد سلّط عليها وكيلاً عنه يحمل سيفه ويطبّق شرائعه. هذا الوكيل يتمثل في الرجل، سواء كان سلطةً دينية، أو مدنيةً، أو أباً أو أخاً أو ابناً أو حتى جاراً!

*********

في حديث له عن أوضاع المرأة العربية تحت عنوان، "رفع حجاب الأوهام عن حال المرأة العربية" (2)  كتب الدكتور محمد الرميحي معلقاً على عبارة شهيرة قالها الكاتب الجزائري مولود فرعون: "أخي ليحفظ الله لي أخي، أخذ حصتي من اللحمة!"، فقال، "ترى كم زوجاً، أو أخاً، أو عائلة، أو حتى نظاماً قانونياً قد اخذ حصته من لحم امرأة عربية مغلوبةٍ على أمرها؟"

لا شكّ في أن الدكتور الرميحي يعرف تماماً من أين يستمد هذا الزوج أو الأخ أو أي فرد من أفراد العائلة قدرته على سرقة حصة المرأة من اللحمة. لا بل إنه يعرف بأن لحم المرأة نفسها هو الذي يتعرّض للسرقة والنهش من قبل الزوج أو الأخ. مصدر هذا "النظام القانوني" الذي يتحدث عنه الدكتور، ليس بخفيّ عليه ولا على أي كاتب آخر من الكتّاب أمثاله الذين يقرّون بشكل أو بآخر بمأساة المرأة المسلمة. إنهم جميعاً عارفون حق المعرفة بمصدر العلّة، ولكنهم كلهم يعانون من مرض يقعدهم عن مواجهة الحقيقة، وهو مرض الخوف. 

إنّ كاتباً يتحدث عن معاناة المرأة ويطالب بإعطائها حقوقها، دون أن يجرؤ على الإشارة إلى مصدر هذه المعاناة أو إلى مصدر القوانين التي تحرمها من هذه الحقوق، هو كالطبيب الروحاني الذي يحاول أن يعالج ورماً سرطانياً بالأدعية والتعاويذ.

من جهة أخرى، إنه لأمرٌ محزنٌ أن نرى المرأة نفسها، هي أيضاً، تساعد الرجل والقانون على النهش من لحمها، وذلك إما بِصَمْتِها وقبولها بواقعها قانعة أو خانعة، وإمّا بوقوفها إلى جانب الرجل حتى في وجه أختها التي تتجرأ على المخاطرة بنفسها من أجل قضيتها المشتركة. لكن من العدل أن نقول، إنّ الثانيةَ معذورةٌ أكثر من الأولى، إذ لولا ما تعرّضت له من غسلٍ دائبٍ لدماغها منذ ولادتها، لما كانت قد وقفت تدافع عن ظالمها وآكل لحمها.

***************

في أوائل شهر نوفمبر الماضي، انتهى المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية الذي انعقد في عمان، الأردن والذي حضرته وفودٌ للمرأة العربية من 18 دولة.

ذكرتْ وكالات الأنباء أن الجلسة الختامية كانت متوترة بسبب الخلافات التي برزت بين الأعضاء على صياغة البيان الختامي. كذلك  ذكرت هذه الوكالات أن الخلاف كان على وشك أن ينسف الاجتماع.

ولعلّ أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ عند سماعه أخبار هذه الخلافات، هو أنها مجرّد خلافات على حقوقٍ تطالب بها مندوباتٌ، تقابلها معارضةٌ أو مزايدةٌ من مندوبات أخريات.. ولكن الأمر لم يكن كذلك!

الخلاف برز حين ألحّت مندوبة سورية ـ والسوريون دائماً وأبداً على رأس المزايدين ـ على أن يتضمن البيان الختامي إدانة للاحتلال الإسرائيلي ومطالبة بتطبيق القرارات الدولية، رغماً عن أن هذا البيان قد تضمّن فقرة كاملة تتعلق بموضوع إسرائيل والفلسطينيين ومدينة القدس والوضع في السودان والعراق. كذلك كان من ضمن احتجاجات الوفد السوري، اعتراضٌ على استخدام عبارة "العالم العربي" بدل "الوطن العربي" أو "الاحتلال الإسرائيلي" بدل "الاحتلال الصهيوني"!

وسرعان ما انقسمت الوفود بين معارضة ومؤيدة للموقف السوري، وحين تدخل الوفد المصري لينقذ الموقف بالمطالبة بنقل الإشارة إلى إسرائيل من نص البيان إلى ختامه، وقفت مندوبة العراق تطالب بأن يتضمن البيان الختامي أيضاً إشارة إلى وضع العراق في ظل التهديدات الأمريكية. وإزاء معارضة ممثلة مصر الشديدة للعراق خشية تفريغ البيان من مضمونه الأساسي، احتجت مندوبة العراق بقولها: "أحمد الله على عدم وجود فضائية تنقل ما يدور في هذه القاعة، كي لا تعرف المرأة العراقية أنكن ترفضن الوقوف ضد العدوان عليها وعلى شرفها."

انتهى المؤتمر بإرضاء سورية في بعض مطالبها وبتجاهل مطلب العراق وشرف المرأة العراقية، وأيضاً بملاسنات بين بعض أعضاء الوفود!

********** 

إن من يسمع بالخلافات التي برزت بين عضوات المؤتمر، ليعتقد بأن هذا المؤتمر قد توصّل إلى حلٍّ لقضايا المرأة المهمة، ولم يبق أمامه إلا الاتفاق على تسميةٍ أكثر دقّة للعالم الذي تعيش فيه ـ أهو عالم أو وطن ـ  أو على التسمية الصحيحة لوضع اليهود في الأراضي الفلسطينية! أما ما يبعث على السخرية أكثر من ذلك، فهو التصريح الغاضب لمندوبة العراق بأن المؤتمر قد رفض الوقوف ضد العدوان على "شرف" المرأة العراقية، وتقصد به تهديد أمريكا بضرب العراق.

في العالم العربي مئات الآلاف من النساء اللواتي لم يسمعن بأي عالَمٍ آخر غير عالم المزابل الذي يعشن فيه مع عائلاتهنّ، يَقْـتَـتْـنَ منه ويسترن عريهنّ وأطفالهنّ منه. لم يسمعن لا باسم إسرائيل ولا ببني صهيون. لا بل، لعلّهنّ لو سمعن بإسرائيل، لتمنّين أن يعشن تحت حكم بني صهيون عوضاً عن العيش تحت ظل حكامهنّ الذين يعيشون على دمائهنّ، ويبنون القصور الفخمة لهم ولأفراد عصاباتهم، بينما ينظرن هنّ إلى أطفالهنّ  يموتون جوعاً ومرضاً دون أن يستطعن أن يفتحن أفواههن بكلمة اعتراض.

شرف المرأة العراقية ظهر على شاشات التلفزيون إبان حرب الخليج متمثلاً بزوجها وهو يخرّ راكعاً أما حاكمه، يقبل يديه وقدميه أمام كاميرات صحفيي العالم. هذا الشرف الذي وقفت تتحدث عنه مندوبة العراق، قد ظهر أيضاً عارياً بعد حرب تحرير العراق من حكم النظام الذي جاءت تمثله، وذلك عندما تناقلت وكالات الأنباء أخبار طالبات المدارس، اللواتي كانت أسماؤهن وصورهنّ تُرسل من قبل مديرة المدرسة، إلى عدي صدام حسين، ليختار منهنّ من أراد له ولأفراد عصابته.

في بلادٍ لا زالت قوانينها تبرر جرائم الشرف، لا يمكن أن يصدّق أحد أن للمرأة شرفاً، لأن شرفها ليس ملكها بل ملك زوجها أو أخيها أو ابنها أو حتى ابن عمها. إنها تلوّث شرف العائلة حتى حين تتعرض هي نفسها للاغتصاب من قبل أحد أفراد هذه العائلة أو العشيرة. يقتلها زوجها أو أخوها أو ابن خالتها ويجد في القوانين ما يشفع له بقتلها. لكن، أن يقفز هذا الزوج أو الأخ أو ابن الخالة من سرير عاهرةٍ إلى سرير عاهرةٍ أخرى، أو أن يكون هو المغتصب، فهذا لا ينتقص من شرفها، وقوانين بلادها لن تتعاطف معها أو تبرر لها جريمتها إن كانت هي القاتلة دفاعاً عن هذا الشرف.

مع كل ذلك، فإن مشكلة المرأة، ليست مع الأنظمة، كما سبق القول، إذ ليست هي الأنظمة التي أوجدت هذه القوانين. مشكلتها هي مع ذلك النظام الرهيب الذي تخضع له، بشكل أو بآخر كل هذه الأنظمة؛ ودون الإطاحة بهذا النظام، لن تصل إلى نيل حقوقها. هذا النظام هو بالتحديد شريعة الإسلام والمصدر الرئيسي لكل مآسي المرأة.

**********

لكن، هل يمكن الخلاص من نظامٍ يٌقال بأنّ له من الأتباع ما يقارب البليون من البشر؟.. الجواب على ذلك هو أنّ كلمة "مستحيل" هي في مخيلة البشر فقط!..

صحيح أن لهذا النظام ما يقارب البليون من الأتباع، ولكن كلمة "أتباع" مطاطة جداً!.. إنّ الأغلبية الساحقة من هذا "البليون" جهلةٌ، يولدون على دين الإسلام ويموتون عليه وهم لا يفهمون منه شيئاً، ومن نفس المنطلق يمكن القول بأنهم لا يفهمون أيضاً أي شيءٍ عن أيِّ فكرٍ أو دينٍ أو نظامٍ آخر.

جمال الدين الأفغاني، ـ توفي منذ مائة سنة ونيف ـ  فيلسوفٌ وداعيةٌ مسلمٌ معروف، جال العالم الإسلامي داعياً إلى الوحدة الإسلامية. سُئل ذات مرة بعد عودته من الهند: "كيف حال المسلمين في الهند؟ فقال، "إنهم لا يعرفون شيئاً عن دينهم، وإذا سألتهم عن ديانتهم قالوا لك: إننا نأكل لحم البقر والحمد لله!" أي انهم مسلمون ولا يعترفون بقداسة البقر!(3)

قرنٌ من الزمن ونيف مضى على رحيل الأفغاني، وفهْمُ المسلمين لدينهم لم يطرأ عليه أي تقدّم. عشرات الألوف من المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية تمَّ تشييدها منذ ذلك الحين، ولكنها لم تُخَرّج جيلاً أفضل من أولئك الذين تحدث عنهم الأفغاني. هذا العدد الهائل من المساجد والمدارس الإسلامية لم يساهم إلا في تخريج أجيال جديدة من الجهلة، ولكنهم جهلة من نوع خطر جداً، لأنهم مسلحون بسلاح المعرفة بتعاليم دينهم الحقيقي. خريجو هذه المدارس والمساجد أصبحوا يعرفون أن ما يميزهم عن غيرهم من بني البشر، ليس فقط كونهم يأكلون لحم البقر، بل أنهم، رغم جهلهم وتخلّفهم، خيرُ أمةٍ أُخرِجَت للناس، وأنّ الله قد أوكل إليهم حماية عرشه وفرض تعاليمه على شعوب العالم كله بقوة السيف. هذه المدارس والمساجد، خرّجت جيلاً أحاديّ النظرة، عنصرياُ، متعصباً حاقداً. هذه المدارس لم يتم تأسيسها لغاية نشر العلم والمعرفة بين المسلمين بل خوفاً على جهلهم من الضياع.

من هذه المدارس يخرج وسيخرج كل يوم ـ وإلى أمد معين ـ ابن لادن جديد. وكل واحدٍ من "بني لادن" هؤلاء الذين تخرجهم مدارس الإسلام، يقدم للإنسانية خدمةً واحدة لا تُقدّر بثمن. فلولا بن لادن، من أين كان لطفلٍ في مدرسةٍ ابتدائية من مدارس أمريكا أن يسأل معلمته المسلمة إذا كان دين الإسلام حقاً يُعَلِّم بأن عقلها أقل من عقل المعلّم الرجل؟!..

كل "ابن لادن" جديد يلده هذا العالم، يساهم في تعرية الإسلام وإظهار بشاعته، ومن ثمّ يوحّد أمم العالم ويمنحها عذراً أعظم للعمل على ضرب هذا النظام حتى يتم تقويضه.  

نهاية هذا القرن لا بدّ من أن تحمل معها نهاية هذا النظام، ولتعجيل هذه النهاية، يتوجب على العالم المتحضر أن يثابر على تسليط الأضواء على عريه، وبذلك يساعد في عملية خلق جيل جديد من أبنائه؛ جيلٍ متمرد لا يخشى سيفه بعد أن يكتشف عورته ويعرف ضعفه.  

**********

بضعة كلمات نطق بها الشاعر حافظ إبراهيم منذ حوالي سبعين سنة، حدَّدَ فيها مصدر تخلف العرب والمسلمين عامة. سبقه إلى ذلك أو حذا حذوه من بعده، بشكل أو بآخر، شعراءٌ وكتّابٌ آخرون. تحدثوا عن معاناة المرأة. عرفوا وجاهروا بأن أمتهم لن تستطيع اللحاق بركب التطور ما دامت المرأة مسلوبة الحقوق. ردَّدَ أقوالَهم من ورائهم معلمون وطلبة مدارس في مواضيعهم الإنشائية وفي خطبهم الرنانة خلال الاحتفالات بعيد الأم في كل سنة. ناشدها أدباءٌ أن تخلع الحجاب، وشجعها آخرون على التمرد.

"من لي بتربية النساء فإنها، في الشرق علّةٌ ذلك الإخفاقِ"

"الأم مدرسةٌ إذا أعددتها ـ أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ!"

وربما استطاعت أصوات هؤلاء الأدباء أن تشجّع بعض النساء على خلع الحجاب أو على التمرد على بعض التقاليد، أو على المطالبة بإصلاح بعض قوانين الأحوال المدنية، ولكن أحداً من هؤلاء الأدباء لم يقف ليضع إصبعه على مصدر الشقاء والتعريف عليه بشجاعة ووضوح. لم يجرؤ أحد على الإعلان بصراحة أنّ مصدر علّة المرأة هو الشريعة الإسلامية، لا بل أن بعض هؤلاء الكتاب لم يكونوا صادقين حتى مع أنفسهم إذ حاولوا تبرئة الإسلام من ظلم المرأة، مدّعين أن الشريعة الإسلامية قد منحت المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في مجتمعات الغرب نفسه!

النداءات التي أطلقها هؤلاء الأدباء كانت خائفة مترددة، أو متجاهلة منافقة. ولأن ما يُبني على الرمال تطيح به العواصف، فإن إنجازات المرأة كلها التي يُقال عنها بأنها قد تحققت نتيجة تلك الحركة الفكرية، لم تكن إلا إنجازات هشّة مزيفة ومؤقتة، لأن الصراخ في وجه السرطان لا يعني استئصاله، وكل ما فعله هؤلاء الأدباء لم يكن إلا صراخاً.  

إن الدليل على خوف بعض هؤلاء الكتاب من تحدّي مصدر الظلم ـ رغم صدقهم في نداءاتهم ـ يظهر واضحاً في موقف الشاعر الذي أتينا على كيل المديح له، وفي الأبيات التالية من القصيدة نفسها، حيث نرى تأثير السيف المسلّط فوق رقبة كل من يحاول الاقتراب من حدود المواجهة مع مصدر العلّة. قال الشاعر مستدركاً:

أنا لا أقول دعوا النسـاء سوافراً ـ بين الرجال  يجلن  في الأسواقِ

يدرجن حيث أردنَ لا من  وازعٍ ـ  يحذرن رقبـتـه ولا من  واقِ

كلا ولا أدعوكـم أن تُسـرفـوا ـ في الحجب والتضييقِ والإرهاقِ

فتوسّـطوا في الحالتين وأنصفوا ـ فالشـرّ في التضييقِ  والإرهاقِ...!!

أما النفاق فيظهر واضحاً في كتابات قاسم أمين الذي يقال عنه ظلماً بأنهم من رواد تحرير المرأة العُظماء، إذ قال في كتاب له بعنوان "تحرير المرأة!": "والمطلع على الشريعة الإسلامية يعلم أن تحرير المرأة هو من أنفس الأصول التي يحق لها أن تفتخر بها على سواها. لأنها منحت المرأة من اثني عشر قرناً مضت من الحقوق التي لم تنلها المرأة الغربية إلا في هذا القرن وبعض القرن الذي سبق.."

قلة من أدباء وشعراء آخرين، كانوا أجرأ من غيرهم في تشجيعهم المرأة على الخلاص من بعض قيودها، كالشاعر العراقي جميل الزهاوي الذي خاطبها في إحدى قصائده قائلاً:    

مزقي يا ابنـة العراق الحجابا ـ واسفري فالحياة تبغي انقلابا

مزقيـه أو احرقيـه بلا ريثٍ ـ فقد كــان حارســاً كذابا

زعموا أن في السفور سقوطاً ـ في المهاوي وأن فيـه خرابا

كذبـوا فالسفور عنوان طهرٍ ـ ليس يلقى معرّةً وارتيـابـا

رغم ذلك كله، يمكن القول بأنَّ أحداً منهم لم يتجرأ على الإشارة إلى مصدر العلة الرئيسي وتحدّي الشريعة الإسلامية بشكل مباشر، وإن دلّ ذلك على شيء، فإنه يدلّ على معرفتهم التامة بما تحمله هذه الشريعة من خطر عظيم على أي مفكّر يجرؤ على تحدّيها.

***********

إننا إذ نجد المرأة قد تمكنت في مختلف المجتمعات الإنسانية من الخلاص، أو هي في طريقها إلى الخلاص، من تعسف الأنظمة الدينية والقوانين المدنية الظالمة والأعراف البغيضة، فإننا لا زلنا نجد المرأة المسلمة ما برحت تعيش واحداً من أربعة أوضاع. فهي إمّــا:

  • مغسولة الدماغ إلى درجة بلغت فيها حدّ القناعة الشخصية والإيمان الكامل بأن منزلتها في الحياة هي إرادة إلهية لا يجوز الاعتراض عليها، وتبعاً لذلك، فهي ترفض وجدانياً أي تغيير على حالة السلم التي تعيشها مع نفسها، لا بل تقف موقف الدفاع عن منزلة الرجل وقوامته عليها. مثال عن هذه المرأة، زوجةٌ كتبت إلى صحيفة إسلامية تقول فيها، "إني مستعدة لأزوّج زوجي ثلاثة غيري ليكمل الحلال!.." (4)
  • عارفة بمأساتها ولكنها خانعة راضية بذلها، خائفة على نفسها، لا تريد أن تفعل شيئاً يخلّ بنمط حياتها التي عوّدت نفسها عليه مقتنعة بأن لا حول لها ولا قوة، لا همّ لها إلا "السترة" ولقمة العيش. مثال عن هذه المرأة، ملايين النساء في البلدان الإسلامية اللواتي لا يُسمَعَ لهنّ صوتٌ ولا هنّ يكترثن لسماع صوت أحد.
  • غير آبهة، تعرف حكم الشريعة فيها ولكنها لا تعيرها اهتماماً وخاصة تلك التي تعيش في البلاد التي لا تطبق من هذه الشريعة إلا أحكامها المدنية التي تتعلق بالزواج أو الطلاق. وحين تضطر إلى التعامل مع نصوص هذه الشريعة في فترة ما من حياتها، فإما تقبلها مرغمة أو تتحايل عليها.
  • أو واعية مثقفة متذمّرة ناقمة ورافضة لوضعها، تعيش في صراع مع نفسها ومع مجتمعها، ترفع بين الفترة والأخرى صوتها مطالبة بحقوقها، ولكنها إذ تعرف مقدار شراسة الشريعة، فإنها وحفاظاً على حياتها، تقف بعيداً عن حدود المواجهة معها بمسافة تكفي لأن تدّعي عندها، بأنها لا تعترض عليها، إنما تحافظ عليها بإعادة تفسيرها. وهكذا، يبقى هذا الورم الخبيث ـ الشريعة ـ في منأى عن مِبضَعِ الجراح، وبالتالي، يبقى صراع المرأة معه، صراعاً يائساً لا أمل يُرجى منه البتة.

إن القول بأن صراع المرأة المسلمة من أجل حقوقها صراعٌ يائس هو قول لا مبالغة فيه البتة، لأن حقوقها التي تسعى لنيلها تتعارض كلياً مع جوهر تعاليم الإسلام، وسبيلها للحصول على هذه الحقوق هو سبيل واحدٌ لا ثاني له، وهو نبذ الإسلام والخروج عنه. رغم ذلك، فإنها وإذ قد شاء لها حظها أن تولد على دين الإسلام، فإنها لربما ستعيش والرعب يلاحقها أينما رحلت، لأنها بخروجها عن الإسلام تكون قد أخضعت نفسها لحكم الردّة وهو القتل. هذا الحكم قد يقوم بتنفيذه أي وكيل من وكلاء الله الذين مرّ ذكرهم، وسواء تم تنفيذه أو لم يتمّ، فإن حياة الرعب التي تعيشها هي بكل تأكيد أسوأ من الموت.  

صراع المرأة في المجتمعات غير الإسلامية مع أنظمتها الدينية، لم يكن في يوم من الأيام صراعاً يائساً كما هو حال صراع المرأة المسلمة. فحصولها على حقوقها في أي من هذه المجتمعات لم يؤدِّ إلى موت الدين، كما أنّ عدم وصولها إلى ما تسعى إليه من حقوق لم يُعنِ بدوره فشلاً لها. أما صراع المرأة المسلمة فهو صراع موتٍ أو حياةٍ بكل ما لهذه العبارةِ من معنى.

*********

 من الطبيعي أن لا يرى المسلمون في ما مرّ من حديث إلا تحاملاً على الإسلام، ولا غرابة في ذلك إذ أنهم اليومَ ليسوا أكثر معرفةً من أخوانهم مسلمي الهند أيام جمال الدين الأفغاني. فإلى الفصل التالي وإلى نظرة عميقة على مكانة المرأة في تعاليم الإسلام.

******************

  1. "ولن تجد لسنّة الله تبديلا" ( 62 الأحزاب)
  2. مجلة العربي الكويتية، أكتوبر 1997 عدد 467
  3. سليمان مظهر، في مقالة بعنوان، "فيلسوف تحدى كل الملوك" نشرت في مجلة العربي الكويتية ديسمبر 1997 عدد 469 
  4. جريدة "المسلمون" السعودية عدد 635 إبريل 1997

انتهى الفصل الأول، ويليه الفصل الثاني.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط