بسام درويش / Jul 04, 2002

رفض القضاء الفرنسي مؤخراً طلب حظر كتاب الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي، "الغضب والكبرياء"، الذي تقدمت به جمعية مناهضة العنصرية واعتبرته معاديا للإسلام. ولقد دافع محامو الناشر الفرنسي والكاتبة، عن المبدأ الأساسي المتعلق بحرية التعبير، بينما ادّعى المحامون الذين يمثلون جمعية مناهضة العنصرية بأن الكتاب هو "دعوة إلى حرب شاملة على المسلمين".

********

الخبر ليس فيه من جديد، ولكن الكيل قد طفح!..

مؤخراً، طالب المسلمون أحد المتاحف الإيطالية بإزالة رسم فني قديم لأنه يحوي على تصوير لمحمد!.. فمحمد بنظرهم هو أعظم من أن يرسم له إنسانٌ صورة، كما كان هو نفسه على عداء مع المصورين إذ لعنهم ولعن كل بيت فيه صورة!

في كاليفورنيا، تظاهر المسلمون أمام استديو محطة تلفزيونية مطالبين بمنع عرض فلم "جهاد في أميركا". الفلم تم عرضه دون الاكتراث بما أحدثوه من ضجيج. (ننصحكم باقتنائه وعرضه على ضيوفكم في سهراتكم الخاصة!)

شركات الإنترنيت، وعلى رأسها أميركا أونلاين، تتعرض دائماً لضغوط من المسلمين كي تقوم بإغلاق مواقع يدّعون بأنها تسيء للإسلام والمسلمين.

مجلات وصحف أمريكية تتعرض دائماً لاحتجاجات من المسلمين ولضغوطهم ولمطالبهم بتقديم اعتذاراتها لهم، وعلى سبيل المثال فقط، مجلة "تايم" الأمريكية التي قامت بنشر صورة لمحمد وهو يتلقى الوحي من الملاك جبريل في مقالة خاصة عن القدس.

وطبعاً، ليس هناك من لم يسمع بجائزة المليون دولار التي خُصّصت لمن يأتي برأس سلمان رشدي، مؤلف كتاب "الآيات الشيطانية".

ولم يكن ما أتينا على ذكره سوى غيض من فيض.  

********

عندما يعجز المسلمون ـ وهم دائماً عاجزون ـ عن الرد بالعقل والمنطق، على من يفتح فمه بالتساؤل أو بالنقد، فإنهم دائماً يسارعون لإغلاق هذا الفم بأية وسيلة، سواء كان ذلك بالتباكي أمام القضاء المتحضر، أو التهديد بالانتقام، وعادة بالأمرين معاً.  

المسلمون يحتجون على كل كتاب يصدر في العالم، وعلى كل فلم سينمائي، وعلى كل مقالة صحفية، وعلى أي شيء يرون فيه إساءة، أو يفسرونه بأنه إساءة إلى دينهم أو إلى نبيهم. ولكن، يبدو واضحاً، ان العالم المتحضر لم يخطر في فكره بعد، بأن يكون هو البادئ بمنع تداول القرآن في مجتمعاته، لما في هذا الكتاب من دعوة صارخة وواضحة إلى قتاله وإرهابه. (التوبة 29 )  

حين تقف منظمات مناهضة التمييز العنصري ومنظمات حقوق الإنسان، إلى جانب المسلمين في قضايا كهذه، إنما هي في الحقيقة تقف ضد حق من أهم حقوق الإنسان وهو حرية التعبير عن الرأي. إضافة إلى ذلك، تقف إلى جانب التمييز العنصري الذي يتمثل بتعاليم الإسلام نفسها. 

*********

ليس هناك على وجه الأرض من أمة تعيش بين ظهرانيها جالية مسلمة كبيرة أو صغيرة، إلا وتعاني بشكل أو بآخر مما تسببه لها هذه الجاليات من متاعب.  وفي الحقيقة، لا غرابة في ذلك أبداً‍؛ فنظرة سريعة على أحوال المسلمين في ديارهم، تُظهر استحالة تفاهمهم هم أنفسهم كمذاهب مختلفة بعضهم مع البعض الآخر، فكيف بهم مع من يخالفونهم الدين. 

يلومون العالم دائماً على مصائبهم ومصيبتهم هي في أنفسهم، وهم وراء مصائب العالم!.. هكذا كانوا منذ أن ظهر الإسلام وحتى يومنا هذا، ولسوف يبقى الأمر على ما هو عليه، إلى يوم يفتحُ فيه فتّاحُ البصائرِ بصائرَهم فيضع بذلك حداً لبلائهم ولبلاء العالم معهم.  

هم لا يعرفون سلاماً مع خاصتهم، ولذلك، لا غرابة إن لم يريدوا لأيٍّ كانَ أن يعرفَ السلام، ذلك لأن سلام الآخرين يصبح شوكة تَخِزُ ضمائرهم. 

هاهي أحوالهم تؤكّد واقعهم التعيس المحزن حيثما تواجدوا، من الجزائر وإلى السودان فمصر والعراق والسعودية وإيران وأفغانستان وباكستان والفيليبين وماليزيا وإندونيسيا والهند والصين وشيشان وقبرص ونيجيريا وسوريا ولبنان وغيرِهم، وانتهاءً بما خلفوه من آثار رهيبة في نيويورك وبوسطن وأرلنغتون. (ننصح بزيارة مئات المواقع الإسلامية على الإنترنت للإطّلاع على أهازيج النصر التي لا زال يرقص على كلماتها وأنغامها المسلمون فرحاً لمقتل أبرياء الحادي عشر من أيلول.)

********

الحرب بين مسلمي إيران ومسلمي العراق حصدت أرواح ما يزيد عن المليون مسلم من شعب البلدين. المسلمون في الجزائر ـ ويسمونهم "الإسلاميون!" وكأنهم ينتمون لدين غير الإسلام ـ أزهقوا أرواح ما يقارب المئة ألف من بني دينهم ولا زالوا يفعلون كل يوم. العلاقات بين الشعوب الإسلامية داخل البلد الواحد وخارجه، كلها علاقات عداء، إن لم يكن مستمراً، فإنه دائماً على فوهة بركان؛ ونظرة سريعة، كما سبق وقلنا، على أحوالهم في حاضرهم، أو في ماضيهم، تؤكّد هذا الواقع. ولكن، حين يتعلق الأمر بصراعٍ بين دولةٍ إسلامية ودولةٍ غير إسلامية، فسرعان ما يرتفع صوتهم بالدعوة للوقوف صفاً واحداً في وجه الدولة غير الإسلامية، سواء كان أخوانهم ظالمين أو مظلومين!  وهم في الحقيقة لم يكونوا في تاريخهم ولا في حاضرهم إلا ظالمين أو بادئين بالظلم. 

 

لم نسمع بعدُ عن دولة إسلامية اتخذت موقفاً صريحاً من دولة إسلامية أخرى شنت أو تشن حرباً ظالمة على مسيحيين. حكومة السودان مثلاً، لا زالت تقوم بذبح القبائل المسيحية في الجنوب منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمن. لم تقف السعودية ولا مصر ولا سوريا ولا العراق ولا باكستان ولا أية دولة مسلمة أخرى لتطلب بشكل حازم من السودانيين أن يتوقفوا عن مجازرهم. لم تهددهم حكومة إسلامية واحدة بقطع العلاقات إن لم يتوقفوا. لا بل تتدفق عليهم الأموال من جانب بعض الدول لمساعدتهم في قتل المسيحيين. أما العالم الغربي، فلم يتأخر عن ضرب الصرب المسيحيين والوقوف إلى جانب المسلمين.

 

لم نسمع عن خطيب مسلم من الخطباء المتفوّهين في أمريكا مثلاً، يقف إلى جانب الأقباط في معاناتهم اليومية مع المسلمين. ولم نسمع عن خطيب كهذا يتحدث عن آلام المسيحيين في باكستان أو إندونيسيا أو نيجيريا. أما إذا وقف واحد منهم، محشوراً ومرغماً، يعلن عن استيائه لتصرف بعض المسلمين، فإنه سرعان ما ينهي إعلانه بعبارات "إنما.. ولكنما.. وبالمقابل.." وما شابهها من عبارات، ليؤكد بذلك ان كل تصرف سيئ يقوم به مسلمون له ما يبرره!..

الغربيون، منظمات أو أفراد، لا يتأخرون عن الوقوف إلى جانب المسلمين حين يرون أن الحق يتطلّب ذلك.. وأكاد لا أذكر متى تطلّب الحق ذلك!

مثالٌ على ذلك ما نقلته وسائل الإعلام مؤخراً من إعلان رؤساء كنائس مسيحية عن إدانتهم لما ورد من عبارات قاسية بحق محمد في خطاب للقس المعمداني جيري فاين، ولكن أحداً لم يسمع عن مسلم، في الغرب أو في الشرق، قد وقف يدين ما تزخر به صحف المسلمين، وما يردده أئمة المسلمين من على منابر مساجدهم، من لعنات على المسيحيين واليهود ومن دعوات إلى قتلهم وتشريدهم وتيتيم أولادهم وترميل نسائهم.  وفي الواقع، لا حاجة لأحد أن يبحث عن الصحف أو يذهب إلى المساجد لقراءة أو سماع ما يقوله المسلمون. أقصر طريق إلى ذلك هو الاطّلاع على القرآن وعلى كتب الأحاديث.     

*********

أي قاسم مشترك يجمع شعوباً على هذا القدر من الاختلاف في الأجناس والعادات والتقاليد، على كراهيتها للعالم؟.. الجواب على ذلك هو أنهم تلقوا علم الكراهية في مدرسة واحدة ومن كتاب واحد. أبناء هذه الشعوب كلهم، طلاب في مدرسة واحدة تُعَلِّمُ مادة واحدة وهي الإسلام. ولمعرفة هذه التعاليم ما علينا إلا نلقي نظرة على أولئك الذين تستقطبهم.

تعاليم هذه المدرسة هي التي استقطبت جوني ووكر، "الطالبان الأمريكي" فحوّلته من إنسان هادئ دمث الأخلاق، كما يشهد بذلك رفاقه وأهله، إلى إرهابي وخائن لوطنه.

تعاليم هذه المدرسة هي التي استقطبت ريتشارد ريد "صاحب الحذاء القنبلة" لأنه وجد في هذه التعاليم استجابة لنزعته الإرهابية وطبيعته المجرمة.

تعاليم هذه المدرسة نفسها لم تلقَ أي صعوبة في استقطاب مايك تايسون "الغني عن التعريف" لأنه كان مؤهلاً سلفاً لاعتناقها. 

تعاليم هذه المدرسة هي التي جنّدت خوسيه باديلا الذي تسمّى باسم عبد الله المهاجر، فجعلت منه إرهابياً كاد، لو لم يتم كشف امره، أن يقتل عشرات الآلاف من أبناء أمته نصرة للدين الجديد الذي اعتنقه.

تعاليم هذه المدرسة هي التي تجد في سجون أمريكا وبريطانيا وغيرها آذاناً صاغية وقلوباً متعطشة.

ذاك هو القاسم المشترك الذي يجمع بين المسلمين. مدرسة واحدة، كتاب واحد، وكراهية ذات رسالة خالدة!    

**********

ليس هناك أمم شريرة وأخرى غير شريرة. وليس هناك إنسان شرير بالطبع، إلا في حالاتٍ لدى العلماء تفسيرٌ لها. الشر ليس طبعاً بل تطبعاً. هناك تعاليم ووسائل تخلق أشرار أو تخلق صالحين.

لقد أفرز القرن السابع نهجاً تعليمياً جلب على الإنسانية من الويلات ما لم يجلبه نهجٌ آخر في التاريخ، فهل يخرج من هذه الأمة التعيسة نفسها رجلٌ، يقلب التاريخ، فينقذها والعالمَ بأسره معها، مما قد يشهده العالمُ من ويلات؟..

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط