بسام درويش / Oct 18, 2005

إذا كان هناك من عبارة يمكننا أن نلخّص بها ما جاء في ما يسمى بـ "إعلان دمشق" الذي صدر مؤخراً، فإننا لن نجد أفضل من العبارة التي بدأ بها هذا الإعلان نفسه والتي تقول: "تتعرض سورية اليوم لأخطار لم تشهدها من قبل!!"

 

حقاً إن سوريا تتعرض اليوم لأخطار لم تشهدها من قبلُ، وفي هذا الإعلان مؤشرات واضحة على ذلك.

**********

 

يتحدث الإعلان عن سياسات النظام الحالي وما نتج عنها من أوضاع اقتصادية واجتماعية وأمنية وعلاقاتٍ دولية سيئة.

يتحدث عن إقامة نظام وطني ديموقراطي يكون المدخل الأساس للتغيير والإصلاح السياسي.. نظام سلمي متدرج ومبني على التوافق وقائم على الحوار والاعتراف بالآخر.
يقول الإعلان إنه ليس لأي حزب أو تيار حق الادعاء بدور استثنائي. وليس لأحد الحق في نبذ الآخر واضطهاده وسلبه حقه في الوجود والتعبير الحر والمشاركة في الوطن.

ينص على المطالبة باعتماد الديمقراطية كنظام حديث عالمي القيم والأسس، يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب ودولة المؤسسات وتداول السلطة، من خلال انتخابات حرة ودورية، تمكن الشعب من محاسبة السلطة وتغييرها.
كذلك ينص على بناء دولة حديثة، يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي جديد. ينتج عنه دستور ديمقراطي عصري يجعل المواطنة معياراً للانتماء، ويعتمد التعددية وتداول السلطة سلمياً وسيادة القانون في دولة يتمتع جميع مواطنيها بذات الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الإثنية أو الطائفة أو العشيرة، ويمنع عودة الاستبداد بأشكال جديدة.

وينص ايضاً على ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية، واحترام الدولة لتلك الحقوق ورعايتها، في إطار الدستور وتحت سقف القانون.

***********

مطالبُ لا يمكن لأحد أن يشك في حق الشعب السوري فيها، ومساندتها من قِبَلِ كل السوريين ـ مقيمين أو غير مقيمين ـ هي أكثر من واجب، لولا ما تضمنه هذا البيان من خدعة كبيرة.

بفقرة واحدة من فقراته نسخَ صائغو هذا البيان (أي ألغوا، كما في الناسخ والمنسوخ) كل هذه المطالب، مجيّرين إياها لصالح فئة واحدة من الشعب، وهي فئة المسلمين السنّة التي دعوها بالأكثرية.

***********

يقول البيان في فقرة "السيف" هذه:

الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب. تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخية الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة.
************

تُرى ما هي الغاية من إقحام هذه الفقرة في بيان سياسيٍ يطالب بحقوق الشعب السوري؟.. ما شأن تغيير النظام بالإسلام؟.. وحين يُذكَرُ الإسلامُ فإسلامُ مَنْ يُعنون بذلك؟.. أهو إسلام السنّة، أم إسلام الشيعةِ، أم إسلام العلوييين، أم إسلام الدروز، أم إسلام الاسماعيليين؟..   

الغاية واضحة من هذا الإقحام: إنهم يريدون تذكير الشعب بأنّ الديموقراطية والحرية وما يرافقهما من تغييرٍ منتظر، كلها أمور يجب أن تدور في فلك واحد وهو دين الأكثرية. وعندما يتحدث هؤلاء عن دين الأكثرية فإنهم لا يعنون به غير السنّة. وهكذا، ففي نظرهم ـ كما كان الإسلام بـ "شريعته السمحاء" المكوّن الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب، فإنه يجب أن يبقى المكوّن الأبرز في حياة الأمة والشعب في نظام ما بعد البعث!!.. ولأنه دين الأكثرية، وبالتالي لأنهم "الأكثرية"، لا ينسى صائغو البيان ـ انطلاقاً من سماحة هذه الشريعة ـ أن يتكرّموا على "بقية فئات الشعب" بقولهم إنهم سيحرصون "على احترام عقائد الاخرين وثقافاتهم وخصوصياتهم ايا كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية!.."

لقد قسموا البلاد بضربة قلم إلى "هُم" ـ أي "الأكثرية" ـ و "آخرين"، أي، الشيعة، والمسيحيين، والدروز، والعلويين، والاسماعيليين، والمرشديين، والإيزيديين، والذين لا يؤمنون بدين من الأديان..

هؤلاء كلهم هم "الاخرون" وهم "الأولون"!

 

هل "الآخرون" حقاً بحاجة إلى كرم أخلاق "أكثرية" كي يضمنوا حقوقهم؟

وحده الدستور الذي لا يمثّل أكثريةً ولا اقليةٍ هو الذي يضمن الحماية للجميع.

دستورٌ علماني لا ذكر فيه لا للإسلام ولا لأي دين آخر، حيث الجميع بنظره سوريون لا أكثر ولا اقل، بغض النظر عن معتقداتهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية والدينية.

***********

يتحدثون عن عدم جواز إعطاء أي حزب أو تيار حق الادّعاء بدور استثنائي، لكن يسبغون على الإسلام ـ بـ "شريعته" التي هي ابعد الشرائع عن التسامح ـ دور الحزب الرائد المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب!!

 

كيف للنظام الجديد أن يكون "عالميَّ القيم والأسس" كما يدّعون، وشريعة الإسلام هي مكوّنه الثقافي الأبرز؟..

هل هناك دولة تعتمد هذه الشريعة "السمحاء"، يمكن أن يقال بأنها تحترم القيم العالمية لحقوق الإنسان؟.. هل هناك دولة إسلامية واحدة يعيش مواطنوها متساوين في الحقوق والواجبات؟.. 

 

الإسلام إيديولوجية لا تعرف التسامح ولا تقبل الآخر بل تشجع على تصفيته، ولذلك فإن دستورا علمانيا لن يضمن فقط حرية غير المسلمين، إنما سيحمي أيضاً المسلمين أنفسهم من إسلامهم.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط