ميرزم عيد / Oct 26, 2005

الحرية وحدة متكاملة.. ممارسة حياتية يومية لا يمكن تجزئتها بأية حال من الأحوال.  هذا المفهوم يتضمن حرية الاعتقاد والرأي وممارسة الحقوق والتوقف عند حدود حرية الآخرين؛ ولا معنى للحرية عندما يفرض الآخرون معتقداتهم عليك.

الدين مليء بنصوص التهديد والوعيد لمن لا يصلي!!.

عندما يرغمك الآخرون على سماع وقراءة هذه النصوص، التي تتوعدك، أينما حللت، فهم يستبيحون تلك الحدود!.

عندما يتهمون العلمانيين بالإلحاد ويضعونهم بمصاف المجرمين رغم أن إنسانيتهم قد تتجاوز بكثير أناساً يتلبسون الدين قولاً ومظهراً، فهم يحكمون على أول مبدأ في الحرية بالموت!

العلمانيون مؤمنون، لكن إيمانهم عقلاني.  

مشكلتنا الأساسية في هذا الشرق القابع خلف أسوار الحضارة والتمدن هي في النظرة الثنائية المتطرفة للأمور(أبيض وأسود، خير وشر، إيمان وإلحاد، كذب وصدق). مبدأ النسبية نقرأ عنه دون أن نمارسه؛ ولذلك فإننا أما أن نحقد بالمطلق أو نقدس بالمطلق، ولا مجال للموضوعية في دراسة الظواهر والأشخاص والأحداث. هناك استسلام قدري لتلّقي الشروح الجاهزة الغيبية ويمنع مناقشتها لأنها سماوية!!.

في هذا الشرق الغارق في وحل الخرافة والدين، الدين التقليدي المعلّب في قوالب حديدية صدئة مفاتيحها في أيدي رجال الدين ذوي النظرة الثنائية المتطرفة وغير المؤمنين بنظرية النسبية، صيّروا العلمانيين في رأس الكفرة والملحدين. في شرقنا المعذب، حيث نعيش، حكموا على جميع مبادئ الحرية بالموت!!.

**********

هذا الشرقُ الغارقُ في وحل الخرافة والدين ما زال يرعبني.. وسادتي الصغيرة تشهد على دموعٍ غزيرةٍ ذرفتها أثناء طفولتي في كل مرة ذُكرتْ فيها هذه الكلمة: الله!. الله: الجبار، المنتقم، المميت ومضرم النار الأبدية في أجساد الكفرة والخطاة والمخالفين لوصاياه المكتوبة!.

اليوم، وبعد أن شربتُ من مناهل العلوم الإنسانية المختلفة صرت أخاف الله؛ ولكني لا أخاف منه!! صار الله صديقي بعد أن أعدت رسمه من جديد، وبعد أن أخرجته من لوائح الكتب والآيات المعلبة بإتقان بشري مقصود!!. لقد صنعوا لنا إلهاً مرعباً ما زال يقضُّ مضاجعنا حتى اليوم!. لم أستطع أن أفهم لماذا يؤمن الناس بهذا الإله الذي فُرض علينا بقوّة الحرف المقدس والسيف المخضّب!. أضحك حزناً عندما أقرأ أو أسمع أن أمواج التسونامي مثلاً كانت عقاباً ربانياً للناس الذين أعملوا الشر في عيون الرب! بأي ذنب مات آلاف الأطفال والرضع والنساء؟ وأية شرور أعملوها في عيون الرب؟ وإذا ما رجعنا إلى التاريخ سنجد نفس الله المشبوه والمرسوم بأيدي البشر مدعي النبوة، والمتوارث، بفضل رجال الدين، إلى أيامنا هذه.

الإنسان القديم، بعقله الصغير ومعارفه المحدودة وتفكيره المشبع بالخرافة والأساطير، لم يستطع تفسير الكوارث الطبيعية المختلفة (أعاصير، زلازل، براكين، أوبئة... الخ)، ولذلك كان يعزوها لقوى غيبية جبارة غير مرئية. فإن اجتاحت البلاد أعاصير مدمرة مهلكة، كان اله الرياح وراء هذا الدمار انتقاماً من الأهالي لفسادهم ومعاصيهم وعدم طاعتهم للإله، وإذا ضرب بركان أو زلزال منطقة ما ودمرها فوق رؤوس ساكنيها، فإن اله الهلاك جاء لمعاقبة أهليها الظالمين. وتروي لنا التوراة في أحد نصوصها المقدسة أنّ الآشوريين بقيادة ملكهم سنحاريب دخلوا إلى مدينة أورشليم واستولوا عليها، لكن حدث شيءٌ غريبُ أجبر سنحاريب على العودة والإنسحاب من المدينة، وفي تفسيرها لهذا "الشيء الغريب " تقول التوراة أن: "ملاك الرب قد خرج وضرب من جيش آشور مئة ألف وخمس وثمانين ألفا ولما بكروا صباحا إذ هم جميعا جثث ميتة، فانصرف سنحاريب ملك آشور وذهب راجعاً وأقام في نينوى". لقد نزل الرب من عليائه وقاتل إلى جانب شعبه المظلوم!!. ثم تحدثنا الكتب السماوية جميعها عن هلاك أهالي "سدوم وعمورة" التي كان يعيش فيها لوط وقومه، فتقدم لنا تفسيراً أسطورياً للحدث بأن (الله) أهلك السكان هناك بان أنزل عليهم ناراً وكبريتاً من السماء، وذلك لفسادهم وممارستهم اللواط.

إن النظرة العلمية تجعلنا نرى أن هلاك هذه المدينة أو غيرها يرجع لأسباب طبيعية كارثية مثلها مثل أي كارثة طبيعية تحل وتصيب منطقة جغرافية بما تضم من إنسان أو حيوان أو نبات أو منشآت بصرف النظر عن قيم وأخلاقيات المجتمع، فالكوارث الطبيعية لا علاقة لها بهذه القيم ولا تميز بين مؤمن أو كافر، بين لوطي يمارس الجنس مع مثيله الذكر أو رجل يمارسه مع امرأة!.

إن نظرة علمية حيادية غير متأثرة ببعبع الدين وظلاله حولنا، تجعلنا نجزم أن (الله) المفروض علينا، وعلى أجدادنا من قبلنا، خرافة مرعبة لا أكثر!!.

الله محبة مطلقة وعدل مطلق، وكل حديث آخر عن نارٍ خالدة ورياحٍ عاتية وأمواج تسونامي رهيبة وأمطار وكبريت نازل من السماء عقاباً لبشرٍ أعملوا الشر في عيون الرب، فهي من الماورائيات الغير مثبتة وإلهنا منها براء براء!!.

**********

بحثتُ عن إله أعبده لأني أحبه، لا لأني أخافه !. بحثت عنه في كتبه "المنزلة"، وفي تفاسيرها المعتمدة، وفي معابده الحجرية البديعة، وتحت عباءات رجال الدين وقلنسواتهم المختلفة، وفي تراتيل المرتلين وصلوات المصلين.. فلم أجده!!. ولكم شعرت بالفرحة تغمر روحي إذ وجدته يمشي بجانبي على شاطئ البحر. رأيت آثارَ قدميه إلى جانب آثار قدمي. في أيامي الصعبة كانت تغيب آثار قدميه، فكنت أرفع صوتي إلى السماء وأستفسر عن سر غياب الله في المحن والمصاعب؛ وكان صدى من السماء يأتيني ويقول: تلك هي آثارُ قدميّ أنا وليست آثارَ قدميكْ؛ ولأنك تحملني في قلبك أحملك على ظهري في أيامك الصعبة!!.

********************

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط