الاسم لدى الناقد / Feb 25, 2006

من الصعب أن تجد إنسانا مسلما يستطيع أن يستمر في النقاش معك لأكثر من خمسة دقائق حول موضوع الرسوم، يبدأ حديثه بأنه لايجوز الإساءة للمقدسات، الخط الأحمر هو الإساءة للرسول، يقطع عليك الحديث ويمتنع عن المناقشة، هذه المقاطعة لاتلغي وجود السؤال الذي يطرح نفسه ويحتاج لمناقشة هادئة تشبعه تمحيصا ونقدا من أجل سلامة المجتمع، لأن الأمر وإن خفت بعض الوقت سيتصاعد بخاره في المستقبل، لأنه يشكل عنصراً هاماً في نسيج الحياة وسنصطدم معه كل يوم. قد تكون صفحات هذا المنبر الإعلامي ـ الناقد ـ المكان الواسع الصدر لمناقشة الموضوع دون تشنج أو تهجم.

 

التمعن في الرسومات، يلفت نظرك رسمتان أو على الأقل لفتتا نظري، الأولى رسمة القنبلة الموضوعة في الجبة، والثانية لصاحب الدعوة الإسلامية يقف أمام جموع الإستشهاديين ليقول لهم كفى استشهادا فقد نفذت الحوريات. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو لماذا الشعور بالإهانة؟ المعروف أن الإساءة تصيب شخص إذا قيل على لسان ذلك الشخص أقوالٌ لم يقلها أو يتبناها، مما تسيئ لسمعته وتسبب له أذى ماديا ومعنويا، فهل الأفكار التي أرادت أن تقولها هاتان الرسمتان هي مجرد تلفيق واتهام باطل يسيئ إلى الفكر الديني الإسلامي؟ المحاور المسلم المغتاظ يقول لك أن الإسلام دين تسامح ينهي عن القتل ولا يكرهك في إعتناق الدين ويخيرك في أن تكفر أو أن تؤمن، ويستشهد على ذلك بآيات قرآنية. يضع نقطة للحديث ويطلب إنهاءه وملامح الغضب بادية على قسمات وجهه. ولكن أن يضع هو نقطة وينهي الحديث، لايعني أن الحديث قد انتهى، هناك غموض يجب إيضاحه، وطالما يمتنع عن محاورتك عليك بمحاورة نفسك والإستمرار في البحث عن دوافع القتال مدفوعا بحب البحث وكشف خفايا الأمور من أجل العلاج، فالمشكلة كبيرة ومدمرة وقد تودي بحياة المواطنين والوطن، ويعود السؤال يطرح نفسه، لماذا هذه العدوانية في ردود الفعل؟ الجواب طبعا لن تتلقاه من الشخص الذي يحاورك، فهو ليس شخصا حياديا ويبحث عن الآيات التي تدعم حججه، النقاش العلمي الحيادي يجب أن يكون حياديا ويسلط الأضواء على جميع جوانب الموضوع، وكلما تعمق الإنسان في فهم المشكلة التي يعالجها، كلما توصل للتشخيص السليم واقترب من معرفة حقيقة الأشياء فيسهل عليه العلاج. مراجعة النصوص القرآنية وقراءتها قراءة حيادية ومعرفة أسباب نزولها، تجد بأن كثيرا منها تحدثك عن المجادلة بالتي هي أحسن وتخيرك بين الكفر والإيمان، وتأمر بقتال الذين يقاتلونكم ويخرجونكم من دياركم وأخرى تنهيك عن العدوان لأن الله لايحب المعتدين.. الخ. إلا أن الممارسات العملية وممارسة نشر الدعوة التي انتقلت باستعمال السيوف إلى شعوب أخرى، لم تكن تحارب الإسلام ولم تخرجهم من ديارهم،  لذلك لابد من وجود آيات أخرى تأمر بنشر الدعوة ومحاربة الآخرين، أعتقد أن الآية رقم 29 من سورة التوبة تفي بهذا الغرض، وكثيرا ما يتجنب المحاور معك عرضها والخوض في تفاصيلها. ماذا تقول لنا تلك الآية؟ لنرى: قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

 

ولكن من هم هؤلاء القوم الذي تأمر هذه الآية بقتالهم؟ يقال أن القرآن لكل زمان ومكان وهو يصلح وساري المفعول في جميع الأزمنة، نحن نعيش الآن في مطلع الألفية الثالثة، فإذا نظرنا لطبيعة ومعتقدات الأقوام التي نعيش معها نجد:

أنّ الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر هم: البوذيون والهندوس والوجوديين وأقوام أخرى ويبلغ عددهم آلاف الملايين.
الذين لايحرمون ماحرم الله ورسوله هم: المسيحيون واليهود وهم أيضا بالملايين.

الذين لايدينون دين الحق من أهل الكتاب هم: المسيحيون واليهود الذين قد يرفضون دفع الجزية، فتأمر الآية بقتالهم حتى يقبلوا بدفعها وهم صاغرون وبدون أي احتجاج، كتب التفسير القرآني تقول وهم أذلاء، أليست هذه إساءة لملايين البشر؟

 

عودة للخلفية الفكرية للرسوم، ألا تدلنا هذه الآية أنها هي المقصودة برسمة الجبة والقنبلة، أسئلة يلزمها أجوبة وأجوبة واضحة ومقنعة، أعتقد أن الرسام يقدم خدمة للمسلمين بالترويج لهذه الآية عن طريق الرسم الكاريكاتوري، فهو يساعد على نشر آيات القرآن عن طريقة مرغوبة بالغرب وهي الرسوم.
أما الصورة الثانية، فنجد خلفيتها الفكرية بكثير من الآيات التي تعد المؤمنين بالحوريات إن هم طبقوا التعاليم واستشهدوا في سبيل نشرها، لقد خدم الرسام مرة أخرى الدين، ومن يدري فقد يدخل في دين الله أفواج من البشر رغبة في الحصول على هذه التقدمة.

 

إذاً، الإساءة لم تستند على تشهير الفكرة لأنها من جوهر العقيدة، فلماذا شعر المسلمون بالإهانة؟ قد يكون السبب بأن الرسام تجاوز الممنوع، ولكن هذه الحجة غير ملزمة له لأنه غير مسلم، وكان بالإمكان الرد عليه برسم جبة وعليها حمامة وآية تدعوا للسلم وتلغي آية القتال، أيضا هذا التبرير غير مقنع لشرح سبب الإهانة .
نقطة أخرى أريد التنبيه لها وهي أن المسيحيين والمسلمين واليهود يوجهون إهانات يومية للهندوس بذبح رمز مقدساتهم، فلماذا لا يكفوا عن ذبح الأبقار وأكل لحومها؟ هناك أكثر من 500 مليون هندوسي يشعرون بالألم لهذا التصرف.

أسئلة وأفكار يجب مناقشتها بهدوء، فما هو مقدس الآن تبطل قداسته على مر الزمن، هكذا تعلمنا من دروس التاريخ على الأقل. حرية الرأي أيضا مقدسة، الموضوع مفتوح للنقاش أمام الجميع.

جليل، ش.

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط