بسام درويش
/
Feb 02, 2015
تصرّ وسائل الإعلام على تسمية القتال الدائر في سورية بالحرب الأهلية وهي تسمية خاطئة كل الخطأ. فالحرب الأهلية ـ civil war ـ هي، وبإجماع قواميس اللغة، "حربٌ تدور بين جهاتٍ مختلفة من سكان البلد نفسه"، بينما يشارك في هذه الحرب على أرض الواقع مقاتلون من حوالي 85 دولة أجنبية.
هذه الحرب في الحقيقة هي حرب دينية بين فئتين إسلاميتين بدأت بعد موت محمد مباشرة كصراعٍ على السلطة ولا زالت لم تُحسَم حتى الآن. كل الجماعات المشتركة في القتال، دون استثناء، تقاتل تحت راية الإسلام بما في ذلك الجماعة التي تسمي نفسها بـ "الجيش الحر؛" وإذا كانت بعض هذه الجماعات لا تنافس داعش والنصرة في طريقة ارتكاب الجرائم الوحشية البشعة فإنّ ذلك لا يجيز رفعها إلى مرتبة ملائكة بالمقارنة مع هاتين الجماعتين.
الموقع الرسمي للجيش الحر: قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد..!
لذلك، فإن دعم أية فئة من هذه الجماعات المقاتلة، سواء كان في نزاعها مع الفئات الأخرى، أو في قتالها ضد النظام، سيكون خطأ فادحاً ترتكبه أية دولة تأمل أن تضع بتدخلها نهاية لهذا الوضع المؤلم الذي تعاني منه المنطقة. لا بل في الحقيقة، سوف يؤدي الدعم إلى خلق وضعٍ جديد أعظم خطورة، ليس على المنطقة فقط، إنما على العالم أيضاً. فموقع سورية جغرافياً ليس كموقع أفغانستان، ووصول جماعات شبيهة بطالبان أو متفرعة من القاعدة إلى الحكم تحت مسمياتٍ جديدة، وخاصة على حدود إسرائيل وقريباً من أوروبا، ستكون له عواقب وخمة جداً.
أما من ناحية النظام، فمن الواضح أنه قد اثبت فشله في أهم واجباته، حيث أن الواجب الأول للحكم في أي بلد هو توفير الحماية للشعب من الأخطار الداخلية والخارجية. جهود النظام تركّزت على حماية وجوده أولاً وآخراً وليس على حماية الشعب. فحتى الآن، راح ضحية سوء حكم النظام ما يزيد عن مائتي ألف إنسان، ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين، وملايين المواطنين المشردين في أصقاع العالم... رقابٌ تُجزّ أمام أعينه بأيدي عصابات إرهابية؛ نساءٌ تُرجم وتُعدَم؛ مواطنون يُعلّقون على الصلبان؛ أقليّات دينية تتعرض للقتل والتهجير، ممتلكات تُنهَب؛ كنائس تُحرق؛ متاحف تُدمَّر وتُسرق؛ أبرياء من رجال الدين وعامة الناس يُختَطفون دون أن يُعرف لهم مكان منذ سنوات... والنظام يقف عاجزاً عن فعل ما يفترض به أن يفعله واضعاً اللوم على دولة مسخ مثل قطر أو على سعوديين يقومون بتمويل الإرهابيين. نظامٌ كهذا يعجز عن توفير الحماية لشعبه، ناهيكم عن عجزه عن حماية حدود البلاد واستعانته بعصابات إرهابية أجنبية وبجيش أجنبي لحماية وجوده، هو نظامٌ لم يعد يصلح للحكم... هذا إذا افترضنا جدلاً بأنه قد كان صالحاً لحكم البلاد في يوم من الأيام.
مع ذلك، فإذا كان التعامل مع أهون الشرّين أو الشرور يمكن أن ينقذ مئات الألوف من الناس من موت محتم، ويعيد ملايين المشردين إلى بيوتهم، ويتيح فرصة للسلام في المنطقة، فليكن كذلك، وربما يتوجب على العالم أن يبتلع بعض كبريائه ويعيد خلط أوراق اللعبة ويتفق مع أهون الشرين للقضاء على الأعظم.
بالتأكيد، هناك من سوف يقول بأن هذا الأمر من شأنه أن يكافئ النظام، ولكن على الأغلب أن من يقول هذا لم يفقد بعد ابناً أو أخاً أو زوجاً أو زوجة في هذه الحرب الوحشية التي تزداد وحشية يوماً بعد آخر.
التنسيق مع النظام لن يكون بلا ثمن؛ ثمن يدفعه النظام، وثمن يدفعه العالم. النظام يدرك كل الإدراك أن وضعه هش كل الهشاشة وهو يبحث عن حل للخروج من المحنة بطريقة تضمن له عدم المثول أمام محكمة الجرائم الدولية. أما الثمن الذي يدفعه العالم فهو إعطاء ضمانة كتلك شريطة تعهد النظام بالبقاء لفترة انتقالية تحت إشراف دولي يسلّم الحكم خلالها تدريجياً لإدارة مدنية تخضع هي الأخرى للإشراف الدولي لفترة لا تقل عن خمسة عشر عاماً. وخلال فترة التنسيق هذه، يجري طرد أو إبادة كل المجموعات المتطرفة وتأهيل جماعات جديدة تشكل نواة لنظام جديد يكفل للجميع حقوقهم السياسية والدينية والفكرية ويعمل على إحلال سلامٍ دائم مع الدول المجاورة ومن بينها إسرائيل.
في التاريخ أمثلة كثيرة لتسويات ابتلع فيها كل الأطراف المتحاربة كبرياءهم وأعادوا خلط أوراقهم لوقف أنهار الدماء. وإذا ما بقي العالم على هذه الوتيرة في معالجة الوضع في سورية، فإن الثمن سيكون أعظم من أي ثمن يدفعه هو أو النظام الآن، وسيكون كارثياً على المنطقة وعلى العالم بشرياً واقتصادياً وسياسياً وكذلك صحياً.
أمرٌ يجب أن لا يخفى على أحد: حل الأزمة السورية سيكون منطلقاً لحل مشاكل الشرق الأوسط كلها، على الأقل في منطقة دول البحر المتوسط.
*************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط