بسام درويش
/
Aug 07, 2006
"الهمج" حسب تعريف "المنجد في اللغة والأعلام" هم "الرعاع من الناس الحمقى" و"القوم الهمج" هم "القوم الذين لا خير فيهم".
أما المعنى الأكثر شيوعاً بين الناس حين يصفون أحداً ما بـ "الهمجي" فهو، "المتوحش، البربري، وغير المتحضر.."
***********
عدد من القراء بعث لي برسائل احتجاج على ما كتبتُ مؤخراً عن أن القضاء على حزب الله هو ضرورة حتمية لمصلحة لبنان والشرق الأوسط برمته، واصفين إسرائيل بالدولة الهمجية. لا بل جاء هذا الوصف في مقالة نشرتُها للكاتب الزميل محمود كرم في منبره على موقع الناقد.
**********
عندما رحلتُ عن الوطن الأم ليستقر بي المطاف بعد ذلك في وطني الجديد، حملتُ معي الكثير من هذا "التراث التعبيري"، والذي غالباً ما سبب لي إحراجاً كبيراً. فالناس هنا بشكل عام، وبالذات المثقفون منهم، لا يتقبلون بسهولة الكلام الذي تعودنا في شرقنا أن نرميه على عواهنه... اي الكلام الذي نقوله دون أن نبالي إن أصبنا أو أخطأنا. احتجتُ إلى وقت طويل كي أتعلّم أهمية دقّة التعابير التي أترجمها إلى الإنكليزية عندما أتحدث مع أميركي، وأعترف بأنني لا زلت أعاني أحياناً من هذا التراث الذي حملته معي.
أذكر ذات يوم أنني استعملت هذه العبارة بالذات ـ savage ـ عندما وصفت الإسلام بالهمجية في جلسة مع عدد من الأصدقاء الأمريكيين. قاطعني أحدهم وهو يهزّ بيديه ورأسه وعلامات الاستغراب تملأ وجهه قائلاً لي: صبراً.. صبراً.. صبراً.. هل تعني بأن الإسلام عقيدة متوحشة بربرية وغير متحضرة؟!..
كان ذلك الصديق مسيحياً متديّناً ويؤمن بأن الخلاص هو عن طريق الإيمان بالمسيح فقط، لكنه لم يستطع ان يهضم وصفي لعقيدة دينية وخاصة لدين كبير كهذا الدين بالوحشية والبربرية. أيّده في اعتراضه الأصدقاء الآخرون الذين سألوني عن شيء ما في تعاليم الإسلام يخدم الوصف. وعلّق واحدٌ منهم قائلاً، "ربما تريد أن تقول بأنّ الإسلام دينٌ قاسٍ في شرائعه فاسأتَ التعبير ووصفته بالوحشية..؟"
فَهِمَ أصدقائي ما أعني بوحشية تعاليم الإسلام حين فتحت لهم القرآن وكتب الحديث وقرأت لهم الايات التي تأمر بقتال كل من لا يؤمن به وكيف تطلب من المسلمين أن يعاملوا المسيحيين واليهود الذين يدفعون الجزية بذلٍّ ما بعده ذلّ، وكيف أمر محمد باغتيال امرأة مرضعة في بيتها لانتقادها له ببضع كلمات، او بقتل عجوز وحرق منزله للسبب نفسه، أو كيف قطع أطراف الذين قتلوا راعيه وسمل عيونهم ثم رمى بهم على أرض الصحراء وجلس يتلذذ بمرآهم، او كيف قتل زعيماً يهودياً لأنه لم يدلّه على كنز مدفون في بيته وبعد قتله اغتصب زوجته وسمّى عملية اغتصابها زواجاً!!..
تبدّلت التعابير على وجوه أصدقائي آنذاك وقالوا بإجماع.. "هذه وحشية وبربرية!.. دون شكّ".. لكن، مع كل ذلك، تعلّمت أنَّ عليّ أن أكون حذراً في ترجمة العبارات التي تعوّد لساني على استخدامها من "تراثي العربي"!
تذكّرت تلك الحادثة وأنا أقرأ بعض الرسائل التي وصلتني خلال الأيام الماضية تصف اليهود بالهمجية وكذلك وأنا أقرا مقالة الزميل محمود كرم.
***********
هل اليهود همج حقاً وهل دولة إسرائيل همجية حقاً؟.. ربما يصدّق ذلك الغوغاء من الناس، الذين يكررون ما تردده إذاعاتهم وزعماؤهم ويكتبون لي بما يسمعونه منهم؛ أما السيد كرم فلا أشكّ بأنه يجهل ما تعنيه كلمة "همجية"، أو على الأقل، آملُ أن لا يكون يعتقد بذلك في قرارة قلبه.
أحداثٌ كثيرة تجري خلال الحروب يندّ لها الجبين وتقشعرّ لها الأبدان. هناك جنود أمريكيون اقترفوا أعمالاً في العراق، حوكمَ بعضهم ويحاكَمُ آخرون عليها الآن؛ لكن ليس هناك من عاقلٍ يصف الولايات المتحدة بالدولة المتوحشة والبربرية.. الغوغاء وحدهم يقولون ذلك. اليابانيون أنفسهم لا يطلقون هذا الوصف على الولايات المتحدة التي ألقت القنبلة الذرية على أراضيهم لإنهاء حربٍ معها كان يمكن أن تكون كارثة إنسانية أعظم من ذلك.
قبل أن تضرب الطائرات الإسرائيلية مواقع عصابات حزب الله حلقت تطلب من المدنيين مغادرة قراهم. أعطتهم مهلة لتنفيذ بذلك. لكنّ نصر الله يعرف أن غياب المدنيين عن ساحة المعركة سيعني دماره هو وحزبه. إنه يريد مظلة يحتمي بها ويخبّئ صواريخه تحتها. مظلته تلك كانت ولا زالت من الأطفال والنساء والعجّز. وحتى الآن لا زال يفرض نصر الله على المدنيين أن يبقوا في منازلهم المهدّمة لأن اقبيتها لا زالت مخبأً لأفراد عصابته ومستودعاً لصواريخه.
من هو المتوحش البربري غير المتحضّر؟
هل هي إسرائيل التي تضع الأطفال في مقدّمة استعراضاتها العسكرية وهم يحملون السلاح يهتفون معلنين عن رغبتهم بالشهادة من أجل أمتهم أم حزب الله؟
أستغرب كيف فات هذا الأمر على الزميل السيد محمود كرم.
حين سقط عدد من الأطفال في قانا صرعى نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي، حزن الشعب الإسرائيلي عليهم واعلن اسفه لمقتلهم على الرغم من أن إسرائيل لم تتعمد قتلهم. الذي قتلهم هو نصرالله لا أحد غيره. هو الذي وضعهم على جبهة المعركة. إسرائيل لم تبعث بطائراتها لتصوّر مواقع تجمّع الأطفال لغاية قتلهم إنما لتستهدف الأبنية التي كانت تستخدم كمواقع عسكرية. أما صواريخ حزب الله فهي تُوَجَّه إلى المدن دون تحديد هدف، وكل مدني إسرائيلي يسقط قتيلاً يصبح مدعاة فرح وتفاخر لنصر الله.
حزب الله يستخدم ما بين يديه من ترسانة اسلحة إيرانية لقتل المدنيين الإسرائيليين عامداً متعمداً. ماذا يمنع إسرائيل من حرث الجنوب اللبناني حرثاً كاملاً بكل ما لديها من اسلحة غير تقليدية؟.. لو كانت إسرائيل وحشية حقاً وبربرية، لما كانت الحرب مع هذا المسخِ وحزبه مستمرة حتى اليوم ولما كانت تحتاج إلا لأيام قلائل لإنهائه، لكن، ولأنّ صراع إسرائيل هو ـ كما قلتُ في مقالة سابقةٍ ـ صراع حياة أو موت لا أمرَ وسط بينهما، فربما تأتي الأيام القادمة بما يُغيِّر هذه النظريات!
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط