فادي غ. عبدو
/
Oct 08, 2004
قرأت أول أمس (5 أكتوبر، 2004) مقالة السيد أمير أوغلو "سينيت دوغاني تحلق رأسها" التي نشرتها "مرآة سورية".
لقد أصبت بالذهول عندما قرأت ما كتب، وخاصة عندما علمت من ذيل رسالته أنه يعيش في الدانمرك، للحجم
الهائل من الكذب والنفاق والغوغائية المعهودة للعربي أينما وجد في أي مكان في العالم وفي أي مجتمع عاش.
السطحية، الجانب المتطرف أحادي البعد في التفكير، تجنب الحقيقة بكل الأساليب، والتعامي الكامل عن التاريخ المخجل للذات والنظر إلى الغير باستعلائية لا نظير لها هي قاسم مشترك لأي عربي مسلم في أية بقعة على هذه الأرض.
أينما ذهب الإنسان، وكلما التقى عربياً مسلماً، أو قرأ لأحدهم، تكون النتيجة التي لا بد أن تنقر على الرأس بشكل أو بآخر عدم الأمانة الغريبة للعربي المسلم فيما يخص أي شيء يمتلك أو شخص يتعامل معه أو مجتمع يعيش معه أو بلد يعيش فيه، وكأن ذلك داءٌ مستعص ومستحب من قبله بنفس الوقت. ذلك الداء المقزز يأكل من شخصيته كإنسان ويشل من قدرته على التفكير السوي..، ويفاقم من عدائيتة ورفضه للآخر كرد فعل طبيعي وضروري تعويضاًَ عن حالته ـ خاصة النفسية ـ المزرية الغائص فيها.
من الأشياء الأكثر إثارة للضحك ـ و للشفقة و البكاء بنفس الوقت ـ هو عندما تجد عربيا مسلما يتكلم ناقداً الديمقراطية أو الحرية أو احترام حقوق الإنسان في الغرب (أو حتى في دول أخرى مثل اندونيسيا أو ماليزيا: اللتان لم يجدا بداً من تقليد الغرب، وليس تقليد تاريخهما الشعبي أو الديني، كي يكون لهما مكان ما على خريطة الإنسان ـ وليس على خريطة مزابل التاريخ). و الطامة الأكبر عندما يبيع ذلك الشخص سرواله ليهرب من مزبلة تاريخه المقرف إلى بلاد ’الكافرين‘ التي ما فتئ يكفرها ويلعنها وينتقدها ويحاربها ليل نهار على مدى أربعة عشر قرناً من التطرف والغوغائية وقتل الآخر.
كل ما يجري في البلاد الإسلامية هو من صنع الغرب ’الكافر‘، وكل ما يفعله الغربيون ’الكفرة‘ في بلادهم وديارهم هو عمل و تصرف آثم مبيّت ضد المسلمين ’أفضل أمة أنجبت للعالم‘: منطق مشبع باستعلائية لا نظير لها رغم دونية العاملين به وإرهابهم الذي أذهل التاريخ بتفرده وقذارته. هذا الإرهاب ليس بالتأكيد حديث العهد؛ إنه ذو أربعة عشر قرناً من الزمن القاسي الفج المليء فقط بتغييب وقتل الآخر، بتغييب وقتل أي قدرات عقلية يمكن أن يتجرأ صاحبها على استخدامها لفهم الواقع، وبجدران حديدية تحول دون تواصل الإنسان مع خالقه المليء بالحب، التوّاق لأن يجد مخلوقه باقياً على صورته ـ تماماً كما خلقه ـ بعيداً عن مصادر التشويه والتفعيل التي تؤلم الخالق نفسه وتشوهه.
أثناء دراستي في إحدى الجامعات الأجنبية، استمعت بالصدفة إلى مشادة كلامية بين طالب عربي وأستاذه اليهودي. بعد أن سئم الأستاذ من المنطق الغريب للطالب العربي خرج عن طوره وقال له بكل هدوء و احترام: "لستَ إلا أنموذجاً طبيعياً للعربي. العربي أكثر من يتكلم عن الحق، لكنه أقل الخليقة تطبيقاً له واعترافاً به لغيره؛ هو أكثر المتكلمين عن القيم والأخلاق، لكنه أقل الخليقة إلماماً بماهيتهما؛ وهو أكثر من يتبجح بالحديث عن الجد والعطاء، لكنه أكسل الخليقة وأكثرها لؤماً و أقلها عطاءً وإفادة للغير." كان ذلك كالصاعقة تجتاح أذنيّ ولا تريد أن تبرح. اعتبرت ما سمعت غلواً في التطرف والأستاذ مجانباً شاذاً للمنطق! ولكن ـ و للأسف الشديد جداً ـ لم تزدني تجربتي إلا وعياً بتلك الحقائق و تذوقاً لمرارتها.
يقول السيد أوغلو أن فرنسا لا تحترم المسلمين على أراضيها. قصر النظر عند المسلم تجعله عاجزاً عن استيعاب أكثر من وجه واحد للمسألة، وكأن القانون (الذي هو أصلاً لإلغاء المظاهر الطائفية ـ من ضمنها وضع الصليب والحجاب ـ و هذا ليس إلا تكريساً للمبادئ العلمانية التي تقوم عليها الدولة الفرنسية، التي وحدها كفيلة بضمان حريات الجميع) يطبق فقط على المسلمات. السيد أوغلو ـ كأي مسلم في العالم ـ لم ير في فرنسا إلا المسلمات الخارجات عن القانون، اللواتي يتخيلن أنهن فوق القانون، محاكاةً لشريعة الغاب (لا يمكن لعاقل التفريق بين الشريعة الإسلامية و شريعة الغاب) التي جئن منها؛ عقلُه الذي أصابه إسلامُه بشلل عميق للغاية لم يساعده على رؤية النساء الفرنسيات الأخريات اللواتي تضررن من القانون وعبرن عن احتجاجهن عليه بشكل أرقى بكثير دون أن يضعن أنفسهن فوق القانون الذي يحكم البلد بكامله دون استثناء، ودون أن يتدخل فقهاء الدين بإطلاق آرائهم المتطرفة الغبية. الاستعلائية الغريبة عند السيد أوغلو ـ كأي مسلم في العالم ـ لم ير في قانون إلغاء المظاهر الطائفية في فرنسا إلا إهانة للمسلمات الشاذات؛ أما بقية النساء فهن خارج نطاق الاعتبار، ولو من قبل من هو على شاكلته معطوب فكرياً و نفسياً.
القلب الرقيق الحساس للسيد أوغلو ـ كقلب كل مسلم في العالم.. ومن ثمارهم تعرفونهم ـ لم يتحمل رؤية الفتاة بدون شعر، فعادت به ذاكرته إلى صور الحرب العالمية الثانية ـ مش قليل ـ ومعتقلاتها الجماعية. صورة الفتاة الحليقة عادت بذاكرته المثقوبة إلى فظاعات الحرب العالمية الثانية؛ فهل لنا أن نعرف أين تعود به ذاكرته عند رؤية الناس يذبحون ـ تحت الآيات القرآنية الشريفة جداً والواضحة جداً بهذا الخصوص ـ أمام عدسات الكاميرات وبتنوع وتنفيذ وإخراج مذهل؟ هل تستطيع ذاكرته أن تعود به عند رؤية الذبح إلى المجازر الرهيبة التي أودت بحياة مليون ونصف المليون أرمني على أيدي المسلمين الأتراك في بدايات القرن الماضي، وثلاثة ملايين من الآشوريين على أيدي المسلمين الأتراك والأكراد خلال العقود الأربعة الأولى من القرن الماضي، وقبلهما المذبحة الرهيبة التي ارتكبها المسلمون عام 1886 في لبنان وسوريا والتي غطت الشوارع المسيحية في دمشق و بيروت بجثث المسيحيين ـ أصحاب البلد الحقيقيين وباني حضارتها المشرفة التي أعطت العالم الكلمة وعلمته إياها ـ فقط لأنهم مسيحيون؟ أم أن ذاكرته كالقربة المثقوبة تثابر على خيانته؟
إن العطب الهائل في منظومة التفكير عند المسلم يمنعه حتى من قراءة موضوعية لتاريخه الذي يتمنى هو ذاته أن يستوعب ـ كإنسان وليس كصندوق خشب ـ مجرياته ومدلولاته. لا يفكر المسلم بتاريخ الحجاب ولا بسبب فرضه تاريخياً! اقرأ التاريخ بعيونك وعقلك وقلبك التي منحك إياها الخالق، وليس بنسخ عنها شوهها لك فقهك الإسلامي! لقد فُرض الحجاب في فترة معينة من فترات الخلافة الإسلامية ’الحنيفة‘ للتمييز بين الحرة والأمة ليسهل على الرجال الإسلام نكح من يريدون خارج علاقاتهم الزوجية: فأغلبهم كان يمتلك أربع نساء (للنكاح الشرعي) ومئات الجواري (للبغاء المقدس). وبالتالي فالحجاب ابتدع في التاريخ الإسلامي لتشيئ المرأة واحتقارها ولغرض طبقي يفوق بعنصريته النازيةَ الهتلرية بما لا يقارن.
هل سيخبرنا السيد أوغلو شيئاً عن التاريخ الإسلامي المتخم بالذبح والبغاء ’المقدس!‘ والعهر الديني والعقلي والإرهاب المصرّ على تحقير إنسانية الإنسان؛ و هل يعرج على المذابح في كنائس الباكستان والعراق؛ وهل ينوه بالجرائم الشنيعة التي يرتكبها المسلمون ـ حصراً ـ في النرويج وغيرها من الدول الأوروبية التي قبلتهم قادمين من بلادهم الإسلامية المتضورة جوعاً (ليس لأنها فقيرة، ولكن لأنها إسلامية مشبعة بالطبقية والعنصرية والنازية) والمتعطشة إلى نعيم الإنسانية؟
بالمناسبة، يتكون النسيج السوري حالياً من ست عشرة قومية مختلفة. الأكراد ـ الذين أتوا أصلاً من بلاد فارس بطريقة شبيهة جداً بالطريقة التي جاء بها الأرمن إلى سوريا في بدايات القرن الماضي ـ هم القومية الوحيدة التي تطالب بأرض ودولة مستقلة!!!
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط