بسام درويش
/
Oct 28, 2001
يخطئ أحدنا إذا اعتقد أنه يكفي أن يكون العربي مسلماً لكي يرى فيه إنساناً حاقداً على الغرب وكارهاً لكل من هو ليس بمسلم؟..
صحيح أن المسلمين يخضعون لعملية غسل الدماغ منذ طفولتهم تشرف عليها فيما بعد المدارس ووزارات التعليم وأئمة المساجد ووسائل الإعلام؛ ولكن غسل الدماغ ليس مرضاً من الأمراض التي يصعب شفاؤها. كل ما يحتاجه المرء للخلاص من عملية الغسل تلك هو محيط جديد فيه ما يكفي من الحوافز التي توقظ ضميره النائم لتساعده على استعادة قدرته على فرز الألوان. وما أولئك المفكّرين والكتّاب والمصلحين الاجتماعيين الذين نسمع عن أنباء محاكماتهم أو قصص التعريض بهم وبعائلاتهم، إلا نماذج لأناس تخلصوا من آثار المواد الكيماوية التي استعملت لغسل أدمغتهم وأصبحوا بدورهم حوافز للآخرين يعملون على إيقاظهم ومساعدتهم على الخلاص من تلك المواد الكيماوية أيضاً.
عمليات غسل الدماغ في المجتمعات العربية لا تطال دماغ المسلم فقط، إنما وللأسف الشديد تطال بعض العرب المسيحيين أيضاً.
صحيح أن المسيحي العربي لا يتشرب كراهية الغرب بنفس المعيار التي يتشربها المسلم بسبب افتقار خليط المواد الكيماوية المستعملة إلى العامل الديني، ولكنه لاشك يخضع إلى نفس العوامل الأخرى في المدرسة والشارع ووسائل الإعلام. لا بل أن هناك عاملاً آخر يخضع له وهو عامل الخوف من أن يُتّهم بأنه يغلّب عواطفه الدينية على مصالح الوطن، فيدفعه هذا الخوف إلى المغالاة في عدائه للغرب والمزاودة على المسلمين في عدائهم له. ورغم أنه أسهل على المسيحي العربي الذي يساعده الحظ على تغيير محيطه، أن يتخلّص من آثار عملية غسل الدماغ هذه بشكل أسرع من المسلم، وذلك بسبب خلاصه على الأقل من أحد أهمّ العوامل، وهو عامل الضغط الديني، فإنه ليس غريباً أن نجد بعض المسيحيين الذين ـ وبسبب ضعف قدراتهم العقلية أساساً ـ قد تأثروا بسم المواد الكيماوية إلى درجة قضت على ضمائرهم قضاء تاماً.
***********
قبل جريمة الحادي عشر من أيلول وبعدها، قرأت فيضاً من الآراء التي عبّر فيها "مسيحيون" على صفحات الصحف، في العالم العربي وفي المهجر، عن كراهيتهم لأميركا، وعن شماتتهم بكل حادث يحدث فيها أو لرعاياها خارج حدودها. لا بل بلغت الدناءة في بعضهم أن يفرحوا لما يصيبها من كوارث طبيعية كالزلازل أو الحرائق. قرأتُ وسمعت الكثير من هذا القبيل ولا زلت، وكنت دائماً أرى أن الإجابة على السخف هي هبوطٌ إلى مستوى السخيف حسب قول سليمان الحكيم، "لا تجاوب الجاهل بحسب سفهه لئلا تكون أنت نظيره".
رغم ذلك، فقد عادت جريمة الحادي عشر من أيلول البشعة بذاكرتي إلى كلمات قرأتها في صحيفة عربية تصدر في كاليفورنيا(*) صاحبها عربي مسيحي. كانت تلك الكلمات تعليقاً لصاحب الصحيفة على عملية تفجير المبنى الذي كان يُؤوي الجنود الأميركيين في خُبَر في السعودية في حزيران 1996. وقد راح ضحية ذلك الحادث تسعة عشر أميركياً و515 جريحاً من بينهم 240 أميركي.
صاحب الصحيفة المذكور، نشر صورتين للمبنى، واحدة قبل أن يصيبه الدمار وأخرى بعد حدوث العمل الإرهابي، وكتب تحت الأولى "قبــل" وتحت الثانية "بعــد" وكأنهما إعلان لدواء إعادة الشعر أو لإزالة الشحم عن الفخذين. فوق الصورتين كتب: (انفجار السعودية، الخُبر.. مقتل 19 وجرح 400) بعد ذلك علّق على الحادث قائلاً وبالحرف الواحد:
"كما تداولت بعض وكالات الأنبــاء..
بيـد الإرهاب.. بيـد مريضة.. تمت عملية التفجير..
نعم مريضة بمرض.. حب الوطن
مريضة بمرض.. عشق تراب الوطن
مريضة بمرض.. الإصرار على الكرامة
مريضة بمرض.. المحافظة على أرض غير مدنسة
مرض يتفشى بسرعة.. بين أبناء شعب لا يحب القتل والدمار
أيها السادة الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء العرب.. هل لديكم علاج لهذا المرض؟
السادة حكام أميركا. السادة حكام النظام العالمي الجديد.. هل لديكم دواء لهذا المرض؟
*************
قرأت تلك الكلمات آنذاك وشعرت بحاجة إلى التقيّؤ. قرأتها آنذاك وشعرت بالشفقة على المسكين صاحب تلك الكلمات. وقرأتها الآن وشعرت مجدداً بالغضب. إنّ وجود أمثال هذا الحاقد في هذا المجتمع هو الذي أدّى إلى الكارثة.
حقاً إنها نفوس مريضة هي تلك التي يطعن أصحابها في هذا البلد ويتمنون له الذل والخراب ويشمتون لمصائبه بينما يحتمون تحت ظل رايته وقوانينه ويأكلون من خيره.
نفوس مريضة لا يمكن أن ينزلَ إنسانٌ صاحبُ ضميرٍ إلى مستوى أصحابها فيتمنى لهم لو كانوا هم في عداد الذين راحوا ضحية ذاك العمل الإرهابي أو غيره من الأعمال. فصاحب الضمير لا يمكن أن يتمنى لهؤلاء إلا الشفاء.
*************
(*) جريدة الأخبار لصاحبها سامر سابا. يوليو 1996 عدد 17 ـ تصدر في كاليفورنيا.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط