بسام درويش
/
Dec 13, 2015
ذكر مقال نشرته مجلة Fortune إنّ الإرهاب قد كلّف العالم في سنة 2014 وحدها حوالي 150 مليون دولار يوميا مشيراً إلى أنّ هذا المبلغ لا يتضمن تكاليف أخرى عظيمة ناتجة عن الإرهاب ويصعب حصرها.
ويقول تقرير آخر صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية إنّ العمليات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة وحدها، وفقط ضد داعش، بلغت 5.2 مليار دولار بين 8 أغسطس 2014 و15 نوفمبر 2015، أي حوالي 11 مليون دولار يومياً. أضف إلى ذلك مئات الملايين التي تصرفها الولايات المتحدة على كل ما يتعلق بالإرهاب داخل البلاد وخارجها.
كلفة الإرهاب تثقل كاهل العالم كله، ففي الواقع، ليس هناك من دولة في العالم غير متأثرة بالإرهاب، بما في ذلك الدول التي تموله وترعاه!
**************
بكلّ تأكيد، الحرب ضد الإرهاب حرب ضرورية ولا مفرّ منها. لكنّ الأمر الأكثر تأكيداً فهو كونها غير ناجعة وأنه لن يكون بقدرتها القضاء على الإرهاب.. لا في سنة ولا في ألف سنة. هذه الحرب غير ناجعة لأنها تستهدف إرهابيين وليس الإرهاب نفسه.
الإرهابيون لم يأتوا من فراغ! هم نتاج أيدولوجية إرهابية، وكل إرهابي يُقتل في هذه الحرب سيخلفه ألوف من الإرهابيين الذين يولدون كل يومٍ وينشأون على هذه الايدولوجية.
الخطأ الكبير الذي نرتكبه في هذه الحرب هو تغافلنا عن الحقيقة وعدم تسميتنا لمصدر الإرهاب باسمه الحقيقي. إننا في حرب مع ايدولوجية أولاً وآخراً، وإذا لم نعترف بهذا الواقع علناً، فإن كل الجهود التي تبذل على هذه الحرب تذهب هباءً.
*************
هناك من يقول: وهل يمكننا حقاً أن نحارب أيدولوجية؟
الجواب على ذلك هو بكل بساطة: نعم، يمكننا ذلك، وبكلفة أقلّ لا تقارن إطلاقاً بالتكاليف الحقيقية التي يتكبدها العالم الآن.
إذا كانت محاربة الإرهابيين لا تتم إلا بقوة السلاح فإن محاربة الفكر لا تتم إلا بقوة الفكر المضاد. هناك جيش من المفكرين وحملة الأقلام الذين يخاطرون بحياتهم تطوّعاً ـــــ وأشدد على كلمة تطوّعاً ــــــ لتوعية العقول المغسولة بهذه الايديولوجية الرهيبة، لكنهم بحاجة إلى مؤازرة. كل ما يحتاجونه هو بعض الدعم، سواء كان الدعم مادياً أو معنوياً. هناك منهم من يقبع في سجون الدول التي تدّعي أنها متأثرة بالإرهاب بينما هي تموّله وتدعمه وتضطهد الذين يقفون ضده بينما نقف نحن صامتين لا نفعل شيئاً من أجلهم. حملة الأقلام من المفكرين هم الجيش الذي يجب علينا أن نستغل طاقاتهم في حربنا ضدّ الإرهاب. أقلامهم ستكون أمضى من سكاكين داعش والقاعدة والنصرة وباكو حرام وأمثالهم، وأنجع من كل الصواريخ والقنابل التي تلقى على الإرهابيين كل يوم. الحرب الثقافية لا تكلف مليارات الدولارات، والأهم من ذلك.. إنها لا تقتل الناس بل في الحقيقة تحييهم.
نعم، الحرب العسكرية ضرورية بالتأكيد، ولكنّ حرباً ثقافية مرافقة لها هي أمر أكثر من ضروري، وبدونها لا نفع إطلاقاً لكل الصواريخ والقنابل. الحرب العسكرية ستكون طويلة وغير ناجعة أما حرب التوعية فهي التي بإمكانها اختصار الزمن وتحقيق النصر النهائي على مصدر الإرهاب.
**************
تماماً، كما أن الحرب ضد المرض والفقر لا تكون بالقضاء على المرضى والفقراء إنما بمكافحة أسباب المرض والفقر، وكما أنّ الحرب ضد المخدرات لا تكون فقط بزج المدمنين في السجون إنما بتعاون العالم كله للقضاء على أماكن زراعتها وتصنيعها.. كذلك هي الحرب ضد الإرهابيين والتي لن تؤدي إلى نتيجة إلا بالقضاء على الفكر الذي ينتجهم حتى ولو تطلب ذلك مئة سنة أخرى. في الحقيقة، بدون هذه الحرب الثقافية لن يكون لهذا الصراع من نهاية وكل الجهود للتخفيف مما يسمى بالاحتباس الحراري ستذهب هباءً أمام ما تخلفه الطائرات والدبابات والقنابل من دمارٍ للإنسان وللطبيعة معاً!
=======================
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط