بسام درويش
/
Sep 04, 2001
تقول حركة طالبان الأفغانية إن محاكمة موظفي الإغاثة المتهمين بالتبشير بالمسيحية ستجري بصورة علنية. وأكد وزير خارجية حكومة طالبان وكيل أحمد متوكل إنه سيسمح لأقارب المعتقلين وللدبلوماسيين والصحافيين بحضور الجلسات. وأضاف أنه سيكون من حق المتهمين من استراليا والولايات المتحدة وألمانيا تعيين محامين للدفاع عنهم. وكانت الأمم المتحدة قد دعت أمس إلى محاكمة عادلة لموظفي الإغاثة الثمانية الأجانب وللستة عشر أفغانيا المعتقلين معهم.
(بي بي سي أونلاين. 2 سبتمبر 2001)
*********
عاد بي الخبر فوراً إلى القصة التي تدور حولها أحداث المسلسل التلفزيوني الأميركي Planet of the Apes "كوكب القردة". أما السبب في ذلك فهو التشابه بين فكرته الأساسية وما يجري حالياً في أفغانستان. يُظهِر الفلم الدمار الذي لحق بالبشرية نتيجة التنافس بين أممها في إنتاج الأسلحة الرهيبة. دمارٌ أدى إلى نشوء حضارة من نوع آخر، هي حضارة القرود التي قامت على أنقاض ومخلفات الحضارة البشرية. انقلبت الأوضاع رأساً على عقب فأصبح الناس الذين نجوا من الدمار، هم وأجيالهم التي أتت بعدهم، يعيشون كما كان يعيش القردة في الحضارة السابقة، لا يعرفون النطق ولا القراءة أو الكتابة. أما القردة، فقد توصلوا إلى تأسيس دولتهم وحضارتهم، مستفيدين من بعض ما نجا من الدمار من مخلفات الحضارة الإنسانية. كتبوا القوانين وركبوا الخيل وحملوا السلاح، لا بل وأسسوا المحاكم أيضاً.
**********
كان ذلك مجرد فلم. الحضارة الإنسانية لم تنته. والقرود لا زالوا قروداً لم يتعلموا بعدُ لا قراءة ولا كتابة، ولا هم قد توصلوا إلى تأسيس محاكم أو مدارس. سلاحهم لا زال جوز الهند يرمون به على رؤوس الناس أو الحيوانات الأخرى. لكن إذا نظرنا إلى ما يجري على مسرح الأحداث في أفغانستان اليوم وما حفل به ذاك الفلم من أحداث، لرأينا أوجه الشبه واضحة تماماً.
في الفلم، أخفى كبار القرود و"حكماؤهم" كل ما يدل على أن الإنسان الذي يعيش في الأقفاص تحت سيطرتهم قد كان له أية حضارة تُذكر. حاول كبار القرود أن يزرعوا في أفكار الأجيال "القردية" الناشئة أن جنسهم هو الجنس الأعلى وحضارتهم هي المثلى. ولكنهم أصيبوا بالقلق وبالرعب حين وصل إلى مستعمرتهم رجال من الحضارة السابقة كانوا يحلقون في الفضاء البعيد يحاولون استكشافه أيام العالم كان بيد الإنسان. حين رجع هؤلاء الرجال، كان قد مضى على انتهاء الحضارة الإنسانية زمن طويل. خاف القرود مما حمله الرجال الهابطون من الفضاء معهم من دليل على حضارتهم. لذلك ألقوا بهم في الأقفاص وعذبوهم وحاولوا استخلاص أدمغتهم من جماجم رؤوسهم. أرادوهم بكماً لا ينطقون خوفاً مما قد تكشفه كلماتهم من زيف حضارتهم.
*********
أية محاكمات عادلة يدعو المجتمع الدولي هؤلاء القرود إلى تأمينها؟.. وأي عدل يُتَوَقَّع من هؤلاء المجرمين؟.. أهو العدل المتمثل في الرصاصات التي فجروا بها جمجمة امرأة ضعيفة على أرض ملعب رياضي أمام أعين العالم بأسره؟.. أهو العدل الذي يظهر في الرؤوس المقطوعة وجلودها المسلوخة؟.. أهو العدل في النساء الملقية في المستشفيات المهجورة من الأطباء، أم أنه العدل المتمثل في الأمهات المقتولة أمام أعين أطفالهن؟..
إنه عدلٌ قد فاحت رائحته لتزكم أنوف الأمم في كل مكان حتى أنوف خنازيرها. مجرمون كهؤلاء لا يعرفون عدلاً ولا رحمة. مجرمون كهؤلاء، يجب على العالم كله بمختلف شعوبه وأديانه أن يتضافر ليضعهم في الأقفاص قبل أن يستفحل شرهم ويتمكنوا هم من احتجاز العالم كله رهائن في قفص الإرهاب.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط