بسام درويش / Mar 09, 2007

من الطبيعي أن يوليَ أتباعُ محمدٍ عنايةً بالغةً في جمعِ وتدوينِ أقوالِه، وأن يحاولوا عدم تفويت شيءِ منها، إذ لا جدال في أن أقواله هي المحور الذي تدور حوله ـ أو يُفترَضُ أن تدور حوله ـ حياتُهم.

 

ومن الطبيعي أن يهتمّوا أيضا بتدوين ما استطاعوا من أعماله أو سيرته الذاتية، إذ بأعماله تُقاس مصداقيته، وباقتدائهم هم أنفسهم بها يُفتَرضُ أن تُقاسَ مصداقية إيمانهم.

 

تركيز المدونين البوذيين والمسيحيين، على سبيل المثال، كان على التعاليم والحكم التي وعظ المسيح والبوذا الناس بها. لكن، وعلى الرغم من أن حياتهما، سواء كانت طويلةً كحياة البوذا، أو قصيرة كحياة المسيح ، فقد كانت مثل حياة اي إنسان آخر من حيث حاجتهما للطعام أو الشراب أو قضاء الحاجة أو النوم وغير ذلك، ولذلك، فإن المدوّنين لم يعيروا هذا الجانب اهتماماً كبيراً إلا ما كان ضرورياً لسياق الموضوع أو لإبراز ناحية معينة من شخصيتهما. وهكذا، فإن كل ما وصلنا عنهما لا يزيد عن بعض الصور التي يبرز معظمها ما يرتبط بتعاليمهما مثل صور الزهد والتقشف والوداعة وغيرها.

 

لكنّ الباحث في كتب المسلمين، لَيُصابُ بالدوارِ وهو يطّلع على ما هبّ ودبّ من حكايات عن دقائق حياة محمد وأهله واصحابه، ويشعر بإعياءٍ عقليٍّ وهو يحاول فهم المبررات وراء تدوين هذه الحكايات ونقلها من جيل لآخر، ويقف حائراً أمام الغاية من تدوينها: هل الحفاظ عليها هو لتشجيع الأجيال اللاحقة على الاقتداء بها، أم تراها ركن من ركائن الإسلام إذا زالت زال الإسلام معها؟!!

 

تعالوا نتأمّل في جزء يسير جداً من هذا التراث الذي أمضى "علماء" المسلمين سنوات حياتهم وهم يجمعونه كي لا يفوتَ على أجيالهم اللاحقة شيء منه. تراثٌ لا زال المسلمون اليوم، وبعد مضي أربعة عشر قرنا، يبذلون طاقاتهم المادية و"العقلية" للحفاظ عليه مستخدمين أحدث الوسائل التكنولوجية، كي لا يفوت أيضا شيء منه على الأجيال القادمة منهم، والتي ربما ستسكن على سطح القمر أو المريخ.  

 

ـ روى الشيخان، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والدار قطني، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال:

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: "إنها ركس".  زاد الحاكم بعد قوله: وألقى الروثة: "وائتني بحجر". وفي لفظ للدار قطني "ائتني بغيرها"... وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خرج لحاجته، وكان لا يلتفت، فدنوت منه، فقال: "أبغني أحجارا أستنفض بها أو نحوه، ولا تأتني بعظم ولا روث، فأتيته بأحجار بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه، وأعرضت عنه، فلما قضى حاجته أتبعه بهن".(1)

 

ـ يقول العالم "جابر بن عبد الله" فيما يتعلق بتلك "الروثة" التي ألقاها النبي:

بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشى إذ جاءت حية فقامت إلى جنبه صلى الله عليه وسلم وأدنت فاها من أذنه وكأنها تناجيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم: نعم؛ فانصرفت. قال جابر، فسألته فأخبرني أنه رجل من الجن وأنه قال له مر أمتك لا يستنجوا بالروث ولا بالرمة أى العظم لأن الله تعالى جعل لنا فى ذلك رزقا.. ولعل هذا الرجل من الجن لم يبلغه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك!.."(2)

 

وقال ابن ماجة:

ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قط إلا مس ماء". وفي رواية: "كان يغسل مقعدته ثلاثاً.(3)

 

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الغائط قال: غفرانك." (3)


و"روى الطيالسي عن حنظلة بن الراهب رضي الله تعالى عنه:

أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى مسح ورد عليه".(3)


وروى الإمام الشافعي ومسلم والأربعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:

أن رجلا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه".(3)


وروى ابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه:

أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك".(3)


وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، عن المهاجر بن قنفذ رضي الله تعالى عنه:

أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: "إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر" أو قال: "على طهارة".(3)

 

وجاء في "صحيح مسلم":

كان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب في سفر للحاجة انطلق حتى يتوارى عن أصحابه، وربما يبعد الميلين، وكان يستتر للحاجة بالهدف تارة وبحشائش النخل تارة وبشجر الوادي تارة، وكان إذا أراد أن يبول في عزاز من الأرض ـ وهو الموضع الصلب ـ أخذ عودا من الأرض فنكث به حتى يثير التراب، ثم يبول وكان يرتاد لبوله الموضع الدمث ـ وهو اللين الرخو من الأرض ـ وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، حتى قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، وما كان يبول إلا قاعدا، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة أنه بال قائما، فقيل كان لبيان الجواز، وقيل: بل لوجع كان بمأبضه وقيل بل فعله استشفاء. قال الشافعي: والعرب تستشفي من وجع الصلب بالبول قائما.
وقول صاحب الهدي: "الصحيح. إنما فعله تنزيها وبعدا من إصابة البول" إلى آخره. فيه نظر، بل البول قائما في المكان الصلب مما ينجس القدمين بالرشاش.
وكان إذا بال نثر ذكره ثلاثاً، وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبول لم يرد عليه (ذكره مسلم في صحيحه عن ابن عمر، وروى البزار في مسنده في هذه القصة أنه رد عليه ثم قال: "إنما رددت عليك خشية أن تقول: سلمت عليه فلم يرد علي سلاما فإذا رأيتني هكذا فلا تسلم علي فإني لا أرد عليك".) وكان إذا استنجى بالماء ضرب بيده بعد ذلك على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.(4)

 

وعن المني الذي كان يعلق بثوب النبي:

"... وأي منة أعظم وأرفع من خروج المني الذي يكون عنه الإنسان المكرم؛ وقد قال تعالى: "يخرج من بين الصلب والترائب" [الطارق: 7], وقال: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" [النحل: 72] وهذا غاية في الامتنان. فإن قيل: إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول، قلنا: هو ما أردناه، فالنجاسة عارضة وأصله طاهر؛ وقد قيل: إن مخرجه غير مخرج البول وخاصة المرأة؛ فإن مدخل الذكر منها ومخرج الولد غير مخرج البول على ما قاله العلماء. وقد تقدم فإن قيل: أصله دم فهو نجس، قلنا ينتقض بالمسك، فإن أصله دم وهو طاهر. وممن قال بطهارته الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري. قال الشافعي: فإن لم يفرك فلا بأس به. وكان سعد بن أبي وقاص يفرك المني من ثوبه. وقال ابن عباس: هو كالنخامة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة. فإن قيل: فقد ثبت عن عائشة أنها قالت: كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه. قلنا: يحتمل أن تكون غسلته استقذارا كالأشياء التي تزال من الثوب كالنجاسة، ويكون هذا جمعا بين الأحاديث. والله أعلم. وقال مالك وأصحابه والأوزاعي: هو نجس. قال مالك: غسل الاحتلام من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا، وهو قول الكوفيين. ويروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وجابر بن سمرة أنهم غسلوه من ثيابهم. واختلف فيه عن ابن عمر وعائشة. وعلى هذين القولين في نجاسة المني وطهارته التابعون."

 

وعن طريقة تنخّم النبي (أي تمخّطه) وما كان يُفعَل بمخاطه والماء الذي يستخدمه للوضوء:

"حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة، عن حُمَيد، عن أَنس رضي اللّه عنه قال: .. تنخّم (أي تمخّط) النبي صلى الله عليه وسلم في طرف ردائه، ثم رد بعضه على بعض، ثم قال: أَو يفعل هكذا."
"حدثنا عفان قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، حدثنا ثابت، عن أَبي نضرة: .. وبزق النبيُ صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحكَّ بعضه ببعض."(5)

"وروى البخاري عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.(6)

************

يالهذه القصص التي شغلت هذا العدد الكبير من العلماء والمحدّثين الفقهاء ممن مرّ ذكرهم أعلاه أو لم يمرّ!

ترى ماذا كان يدور بعقول هؤلاء وهم يكتبون هذه الجواهر لتخليدها للأجيال القادمة من المسلمين، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ما كانت تتطلبه الكتابة في أيامهم من جهد ومن مواد، بالمقارنة مع أحفاد أحفادهم الذين يستخدمون الكمبيوتر اليوم لتخليدها على شبكات الانترنت!!

يا لتلك الجهود التي بذلوها للإمساك بالرواية من كل جوانبها، وعدم تفويت كلمة منها لئلا يكون إغفالها سبباً في خطأ حسابي لا تُحمد عقباه: ذاك يقول إن النبي "القى بالروثة" والآخر يشدد على أن النبي ألقى الروثة وزاد بقوله أن "وائتني بحجر"، وعالم آخر يؤكّد بأن النبي قال: "ائتني بغيرها"!..

 

يا لعظَمِ حاجةِ المسلمين لمعرفة عدد الأحجار التي مسح نبيهم بها مؤخرته وخاصة في عصر المراحيض والشطافات "بي ده" ـ B.D. ـ التي لا ترتاح مؤخرات آل سعود وامراء الخليج عليها إلا إذا كانت مصنوعة من الذهب الخالص!

ترى ماذا كان يشغل فكر العالم الكبير جابر بن عبد الله وهو يؤرّخ حكاية همس الحيّة في أذن النبي وكشف النبيّ لذلك السر المكنون بأنّ الروث ليس لطعام المسلمين ولا لمسح مؤخراتهم إنما هو طعام أخوانهم من الجنّ؟

 

يا لَعِظَمِ أهمية تأريخ ما كان يفعله النبي وهو يبحث عن مكان يبول فيه. ألا تفعل القطط والكلاب الأمر نفسه وهي تبحث عن المكان المناسب لتبولها وتبرزها؟.. أفلا تنثر القطة التراب أيضا قبل ان تتبرز ثم تعود لتغطي برازها به ولا شك في أنها كانت تفعل ذلك منذ آلاف السنين؟!.. ما هو ذاك الأمر الاستثائي العظيم الذي كان يفعله محمد بالبحث عن المكان اللين أو الصلب للتبوّل أو التبرز أو في نثره التراب قبل التبوّل؟!

أم ترى تلك الأمور من علامات النبوّة؟!..

 

ويا لذلك الجهد الذي بذله "مسلم" فقيه الفقهاء وجامع الأحاديث " كي لا يفوت على المسلمين معرفة عدد المرات التي كان الرسول الكريم يهزّ ذكره بعد التبوّل؟..

ربما خشي على أمة محمد إن لم يعرفوا ما كان يفعله نبيّهم أن يقضوا نهارهم وهم يهزّون ذكورهم بعد كلّ تبوّل؟.. أم لعلّه خشي أن يخسروا الثواب إن هزوها أقل من ثلاث مرات..  الله وحده أعلم!

********

 

حدّثتُ مسلماً أعرفه عن هذه الأمور وقلت له: ما حاجتك كمسلمٍ لأن تعرف كيف كان يفرك النبيّ ذكره بصدر عائشة وهي طفلة، أو عن وقوفه أو قعوده عند تبوّله، أو عدد المرات التي كان يغتسل بها بعد التبول، أو كيف كانت عائشة تزيل المنى من ثوبه، أو كيف كان يتمخّط ويعطس ويضرط ويشرب الحساء وما كان يسقط منه على لحيته، أو كيف كان يمصمص العظم وكيف يلحس اصابعه، أو عدد المرات التي كان يضاجع فيها نساءه في ساعة واحدة.. وعن وعن..

أجابني قائلاً:

هذه الأحاديث والروايات يا صاحبي غايتها فقط البرهنة عن بشرية الرسول وإنه إنسان كأي إنسان آخر!..

********

أهذا كلامٌ يقال حقاً؟..

أليس هناك من أمور أخرى تبرهن على إنسانية وبشرية محمد إلا تدوين هذه الأمور الخاصة جداً.. لا بل المقززة؟!.. إذا كانت الغاية من تدوين حكّ محمد لذكره بصدر طفلة ذات ست سنوات هو بنظر المسلمين للتأكيد على بشريته، فإن هذا الأمر بنظرنا هو دليلٌ على غريزة أقرب إلى الحيوانية منها إلى الإنسانية!

============== 

1 و 4 و 6 ـ من كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد!" لشمس الدين الشامي

2 و 3 ـ السيرة الحلبية لنور الدين الحلبي

5 ـ تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة

ومراجع أخرى من السيرة الحلبية وسيرة أبن هشام والبخاري.

***********

*******

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط