بسام درويش / Oct 28, 2002

قبل أن تُعرف هوية القناص المجرم الذي روّع أميركا منذ مطلع هذا الشهر، وقبل أن يتم إلقاءُ القبضِ عليه، عبّر ممثلون لجماعاتٍ ومنظماتٍ إسلامية عن مخاوفهم من أن يظهر لاحقاً بأنه مسلم. وفي خضم هذه الإعلانات، أخذ بعضهم يذكّر الأمريكيين بالمضايقات التي تعرّض لها المسلمون بعد الحادي عشر من أيلول والتي زادت، حسب ادّعاءاتهم، عن الألفي حادثة. ومن ناحية أخرى، ظهر بين ممثلي هذه الجماعاتِ والمنظماتِ في برامح تلفزيونية مَنْ يستبق النتائج ليؤكّد بان المجرم القناص لا يمكن بأن يكون بأي شكل من الأشكال مسلماً لأنه لا يعقل بأن تصدرَ عن فمِ مسلمٍ عبارةٌ كتلك العبارة التي تركها وراءه والتي قال فيها، "أنا هو الله". ففي رأي هؤلاء أنه لا يمكن أن يصل الاستهتار بالمسلم ـ حتى ولو كان مجرماً ـ حدَّ وصفِ نفسه بأنه الله!..

*******

كان على هؤلاء الذين ادّعوا بأن مسلماً لا يمكن أن يجدّف على الله، أن يعضّوا على أحذيتهم لبعض الوقت حتى لا يتفوّهوا بهذه السخافة. لقد جاء الإعلان عن اسم جان محمد صفعة لهم بكل تأكيد، ولكن ذلك لم يكن في الحقيقة أمراً ضرورياً لإثبات سخف هذا الادّعاء.

إن محاولة تصوير المسلمين وكأنهم شعبٌ لا يدانيه شعبٌ آخر في احترامه لاسم الله هو ادّعاء أكثر من باطل، إذ ليس في الواقع دينٌ كدين الإسلام يصوّر للناس فكرة الله بهذه البشاعة التي تسبغها عليه تعاليمه. وبغض النظر عن ذلك، فالمسلمون، من ناحية تباين أخلاقهم، لا يختلفون عن غيرهم من بني البشر، فيهمُ من يعفُّ عن النطقِ بأي شتيمةٍ مهما كانت بسيطةً، وفيهمُ من لا يعرفُ لسانُه للبذاءةِ حدوداً.

"يلعن إلهك"، "يلعن الله الذي خلقك!"، "يلعن النبي بتاعك!"، ".. أخت إلهك!"، "سأفعل كذا وكذا بإلهك!".. هذه الشتائم التي يرددها العرب المسلمون هي من أخف الشتائم وزناً في لغتهم، وعندما نقول بأنها أخف الشتائم وزناً، فإننا نعني بأنها حقاً كذلك. إن تبادل الشتائم التي تسيء إلى الله أو محمد بين مسلم وآخر، لا يزيد من حدة الخلاف بينهما بقدر ما تثيره الشتائم التي تتعلق بالعرض أو الحريم. شرف الحريم عند المسلم أهم من قدسية اسم الله أو كرامة محمد، والمسلم لا ينصّب نفسه مدافعاً عن تلك القدسية أو هذه الكرامة إلا إذا جاءت الشتيمة من غير مسلم. 

********

توقّعت أبواق المنظمات أيضاً أن يقوم الأمريكيون باعتداءاتٍ على المسلمين كتلك التي حدثت حسب ادّعاءاتهم بعد الحادي عشر من أيلول.

صحيح أن اسمَ هذا القناص جاء يذكّر الأمريكيين بأحداث الحادي عشر من أيلول الرهيبة، رغم أنها أحداثٌ لا تُنسى، لكن، ولأنهم شعب متحضر، لم يهرعوا فور سماعهم هذا الاسم إلى مسدساتهم ورشاشاتهم ليثأروا من المسلمين في بيوتهم أو مساجدهم، أو محطات بيع الوقود أو المطاعم، أو حتى محلات بيع الخمور التي يديرونها!!  فأمورٌ كهذه تحدث في بلاد ينشأ أبناؤها على الحقد والكراهية.

هذه الحملة المسبقة التي قامت بها المنظمات الإسلامية كانت بحد ذاتها إساءة أخرى للشعب الأمريكي وإمعاناً في تشويه صورته إذ أن هذا الشعب قد أثبت في الحقيقة بعد ذلك الاعتداء البربري بأنه من أعظم شعوب الأرض تسامحاً وصبراً. لقد كان الأحرى بالمسؤولين عن هذه المنظمات عوضاً عن إثارة مخاوف المسلمين أن يعملوا على طمأنتهم وتذكيرهم بأنهم يعيشون بين شعب متحضر.

 

إن التحرّشات أو الاعتداءات التي حصلت بعد الحادي عشر من أيلول لا يمكن أن تقارن بأيّ شكل من الأشكال مع بشاعة وهمجية الاعتداء، وقد زاد في ألم الأمريكيين آنذاك ذلك التعاطف مع الإرهابيين الذي أظهره ولا زال يظهره المسلمون في أمريكا خاصةً وخارجها عامةً. رغم ذلك، فقد خيب الأمريكيون مرة أخرى أمل منظمات الطابور الخامس الإسلامي بحدوث اعتداءات، وجاء ذلك يثبت كذب الادّعاءات السابقة التي لفّقتها هذه المنظمات بعد أحداث أيلول؛ تلك الادّعاءات، التي كان سوادها الأعظمُ إما كذباً لا يستند إلا على ما يقوله أصحابها، أو مبالغاً فيه إلى أقصى درجات المبالغة، والكذبُ والمبالغةُ أمر سواء.

 

لقد شجّعت هذه المنظمات المسلمين ـ في تعاطيها السلبي مع الأحداث ـ أن يروا في كل نظرة يرمقهم بها أمريكي، إهانةً أو تحرشاً دينياً وعنصرياً، فساهمت بذلك في الإساءة ليس إلى أميركا والأمريكيين فقط، بل إلى المسلمين هنا وفي كل العالم أيضاً. في الواقع، إن وجود هذه المنظمات ليس لصالح المسلمين أبداً، وعلى وجه الخصوص، المقيمين منهم في أميركا.  لذلك، على المسلمين ـ إذا كانوا حقاً يعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من هذه الأمة ـ أن يعلنوا رفضهم لأي منظمة تدّعي النطق باسمهم، إذ لا يمثلهم إلا نوابهم الذين ينتخبونهم شرعياً مثلهم في ذلك مثل أي أمريكي آخر.

إن لجوء المسلمين إلى هذه المنظمات لرفع مظالمهم عوضاً عن لجوئهم إلى السلطات المختصة ليس إلا دليلاً على أنهم يرون أنفسهم جالية غريبة عن هذا المجتمع، أو بعبارة أخرى، أمة داخل أمة، وبذلك لا يمكن أن يُلام الأمريكيون إذا نظروا إليهم هم أيضاً هذه النظرة.  لقد آن للمسلمين أن يطلبوا من هذه الأبواق التي تدّعي تمثيلهم أن تخرس! 

*************

جان محمد، مسلمُ بالاختيار، اعتنق الإسلام منذ حوالي سبعة عشر عاماً.

وحين نسمع عن إنسانٍ ما يترك دينه ليعتنق ديناً آخر، فإنه من المنطقي أن نفترض بأنه لم يفعل ذلك إلا لغايةِ إجراءِ تغييرٍ جذريّ على نمطِ حياتِه، واقتناعاً منه، بأنَّ هذا الدين الجديد يحوي من التعاليم ما سيجعل منه إنساناً أفضل. وهكذا، فإننا نفترض بأن مسيحياً لا يترك مسيحيته ويصبح بوذياً أو مسلماً، إلا لأنه وجد في البوذية أو الديانة الإسلامية الأهداف الروحية أو الأخلاقية أو الاجتماعية أو الفكرية التي تتفق مع تطلعاته. ونفترض الأمر نفسه بالنسبة للمسلم الذي يترك الإسلام ويعتنق المسيحية أو غيرها، لكن الواقع يثبت بأن الإسلام هو المستثنى. 

هناك مسلمون كثيرون اعتنقوا ويعتنقون المسيحية، ولا نبالغ إذا قلنا بأنهم يصبحون متمسكين بتعاليم المسيحية وممارسين لمبادئها، إلى درجةٍ  تدفع بالمسيحيين الذين ولدوا عليها، إلى الشعور بالخجل من أنفسهم لعدم قدرتهم على محاكاة إيمانهم وتطبيقهم لهذا الإيمان. لم نسمع عن مسلم اعتنق المسيحية فتحول إلى إرهابي أو مجرمٍ، لكنّنا غالباً ما نسمع العكسَ عن مسيحيين يعتنقون الإسلام، وجان محمد ليس إلا اسماً جديداً أضيف مؤخراً على قائمة أسماء هؤلاء! 

**************

عدا عن تشرب جان محمد للكراهية من خلال انتسابه لمنظمة "أمة الإسلام الفراكانية"، لم يظهر حتى الآن ما يشير إلى ارتباطه بمخططٍ إرهابي، ولكنَّ أمراً واحداً باتَ واضحاً ومؤكداً، وهو أنّ مجرد ذكر الإسلام أو أي اسمٍ له علاقةٌ بالإسلام، قد أصبح يثير القلق في نفوس الأمريكيين، وربما يدفع ذلك صبرَهم ذات يومٍ إلى النفاذ.

يوماً بعد يوم، تزداد الهوّة بين المسلمين وشعوب العالم اتساعاً، وباتساعها يقف العالم على شفا خطر عظيم. تضييق هذه الهوّة هو بيد المثقفين الواعين وحدهم والذين يكاد عددهم لا يزيد، وللأسف الشديد، عن عدد أصابع اليدين. لقد اصبح الإسلام بحاجة إلى عملية نفض جذرية، وأمّةٌ قوامها بليون من البشر، لا يعقل أن تشــحَّ بحكيمٍ شجاع. 

=============  

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط