بسام درويش / Feb 28, 2014

إذا كان هناك من أمرٍ يمكننا أن نستنتجه من هذه "الثورات" التي اجتاحت ولا زالت تجتاح بعض الدول العربية، فهو أن الشعوب العربية لا زالت غير ناضجة وغير مؤهلة لصناعة الثورات

في مصر، ثار الشعب على حسني مبارك ونجح في إسقاطه. ماذا فعل بعد ذلك...؟ لقد قام بملء إرادته، وعن طريق انتخابات حرة، وليس بطريقة الاستفتاءات الشكلية التي كان ينظمها مبارك، بتسليم الحكم لمن هم أسوأ من مبارك ونظامه. لقد سلمه إلى جماعة الأخوان المسلمين الأكثر إجراماً في تاريخ مصر والأعظم خطراً على مستقبلها. بعدئذٍ، وإذ أدرك الشعب فداحة الخطأ الذي ارتكبه وهو يرى الأخوان يخططون لإعادة البلاد إلى عصر الخلافة، ثار مرة أخرى، وتمكن بمساعدة الجيش هذه المرة، من إسقاط حكمهم  وزج معظم قادتهم في السجون.

فماذا فعل بعد ذلك ايضاً...؟

 هناك مثل شعبي يقول، "إن الحمار إذا مرّ في شارعٍ فوقع على أرضه فإنه يرفض عبوره مرة أخرى مهما ألحّ عليه صاحبه."

حاشا لي بالطبع أن اشبه الشعب بالحمار، فما قلته لم يكن إلا مثلاً يُضرب، ونحن شعب نحب ضرب الأمثال للاتعاظ بها، وغالباً ما لا يتردد الواحد منا عن ضرب هذا المثل عن نفسه عندما يكرر الخطأ مرتين

 لقد أخطأ المصريون خطأ فادحاً في المرة الأولى حين أوصلوا الأخوان إلى الحكم، ثم عادوا فاخطأوا مرة ثانية عندما أقرّوا دستوراً جديداً لهم ينص على ما كان يسعى إليه الأخوان المسلمون أنفسهم وهو جعل الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع...!

أما في سورية، حيث الثورة لا زالت تغلي، وحيث توقف إحصاء عدد القتلى لصعوبة العدّ، لم نسمع حتى الآن عن هدف معين وواضح لهذه الثورة سوى أنها تريد إسقاط بشار الأسد. أما ما هو النظام الذي تسعى إلى  تأسيسه بعد سقوط بشار... إذا سقط...! كل الدلائل حتى الآن تشير إلى أنه سيكون نظاماً كنظام طالبان!

في ليبيا، تخلص الشعب بمساعدة دول الغرب من حكم المعتوه معمر القذافي، وكان الأمل بأن ينص الدستور الجديد على علمانية الدولة، وإذ به كغيره من الدساتير العربية يجعل أحكام الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.   

أما عن اليمن، فحدّث ولا حرج...! ففي هذا البلد التعيس، والذي عُرف على مر القرون باسمِ "اليمن السعيد"، استطاعت ثورة "إرحل" أن ترحّل رئيساً ليحل مكانه رئيسٌ آخر، أما الدستور فلا زال هو نفسه: "الإسلام دين الدولة"، و"الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات"، لا بل تنص المادة السابعة من هذا الدستور على أنه حتى "العلاقات الاقتصادية، وتنمية الانتاج، وتكافؤ الفرص ورفع مستوى المعيشة"، كلّها أمورٌ خاضعة "لمفهوم العدالة الاجتماعية الإسلامية"...! هل لأحد أن يعطينا مثلاً واحداً عمّا قدّمه "مفهوم العدالة الاجتماعية الإسلامية" لأيّ شريحةٍ من شرائح هذا الشعب التعيس، أو لأيّ قطّاعٍ من قطاعاته الاقتصادية، لا بل ولأي شعبٍ من الشعوب الإسلامية في اي مكان من العالم؟

تبقى أمامنا تونس. هذا البلد الذي أثبت شعبه بحق أنه الأوعى بين كل شعوب المنطقة إذ كان الأعظم جرأة على عدم تلويث دستوره بأيّ ذكرٍ للشريعة الإسلامية. لكن، مع كل ذلك، وللأسف، وقف عاجزاً أمام سلطة هذا المخدّر ـ الإسلام ـ ليبقي له في هذا الدستور ذكراً كدين للدولة في مادته الأولى مع التأكيد عليها بأنها مادة غير قابلة للتعديل...!

*************

الثورات لا تقوم إلا من أجل هدفٍ واحد وهو الانتقال إلى "وضع أفضل." ومشكلة العرب هي في كونهم لا زالوا عاجزين حتى الآن على مواجهة الحقيقة الصارخة وهي أنّ الإسلام هو العقبة التي تقف بينهم وبين أيّ "وضع أفضل." فسجلّ الإسلام حافلٌ، منذ ظهوره وحتى اليوم، بالقلاقل والاغتيالات والمؤامرات والانقلابات والانقسامات والفساد، وبالظلم الذي كسر ظهور المسلمين وغير المسلمين على السواء.   

لقد آن للعرب أن يدركوا بأن الإسلام هو وراء كل مشاكلهم، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية، وبأنّه اللعنة التي ترافقهم، وتكبّل أياديهم، وأقدامهم، وعقولهم، ولذلك، فإنهم لن يعرفوا طعماً لحريةٍ أو سلامٍ أو ازدهار طالما بقي له في دساتيرهم ذكرٌ أو في مدارسهم كتابٌ يُعلَّم.

**********

*******

****

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط