رشيد احمامي / Feb 07, 2006

المسألة الأولى: لقد صار المسلمون في السنوات الأخيرة يتذوقون مرارة إهانة المقدسات ويعرفون معناها لعلهم يستخلصون الدروس منها رغم أنهم دائما يستخدمونها لتتماشى مع موالهم القديم(الغرب عدو الإسلام.. الصليبية والصهيونية..) ويتعجب المرء أنهم لم يفهموا بعد، لم يفهموا أن ما فعلوه مئات السنين بالأديان الأخرى لا يقارن ولو بجزء بسيط مما يعتقدونه اليوم إهانة ضد مقدساتهم، هل قتل الرسام  الدانماركي مسلما أو حمل عليه سيفا أو أجبره على تغيير مذهبه؟ كل ما فعله المسكين أنه رسم أفكاره واضعا إياها في صور لشعبه الدانماركي ذي الأغلبية غير المسلمة ممارسا لحرية بلاده، ومع ذلك قام العالم الإسلامي كله ضد الدولة كلها بسبب أحد رساميها!! ماذا نقول نحن عن مئات الكتب والمجلدات الإسلامية والأدعية التي تردد في المساجد على أفواه الفقهاء والخطباء: اللهم العن النصارى واليهود، أو القول عن اليهود بأنهم أحفاد القردة والخنازير بنص قرآني!! أو الحديث الذي يأمرك بألا تلقي السلام على النصارى واليهود وإذا لقيت أحدهم في طريق فاضطره إلى أضيقه!! وماذا نقول عن إهانة المقدسات المسيحية: منها اتهام الإسلام لليهود والنصارى معا بتغيير كتبهم، ثم تبديله لاسم المسيح من يسوع إلى عيسى دون سند لغوي أو تاريخي (تخيل لو غيرنا اسم محمد عمدا وأرجعناه حمودة!) وتكفيره للنصارى بنص قرآني وتسفيهه لعقائدهم منها عقيدة الثالوث، ولاهوت المسيح وعقيدة الصلب والفداء.. ليس هذا فحسب فمريم العذراء البتول التي يقدسها المسيحيون في العالم كله يدعي هذا المكبوت محمد أنها ستكون هي وأخت موسى من أزواجه في الجنة!! أليست هذه أكبر إهانة وتحقير لمعتقدات الآخرين! ومع ذلك تجد المسلمين يتشدقون دون حياء أنهم يكرمون المسيح أكثر من المسيحيين أنفسهم! فتقبلوا إكرام الدانماركيين لنبيكم لأنه لم يكرم من قبل ويرسم في جريدة إلا بعد أن حاز على هذا الشرف في الدانمارك!  لم تذوقوا ما كاله نبيكم وخلفاؤكم وخلفاء خلفائكم للعالم أجمع من تقتيل وتذبيح وسفك للدماء ابتداء من نصارى نجران مرورا بيهود بني قريظة ويهود المدينة واغتيالات محمد لليهود ككعب بن الأشرف، وصولا إلى الاحتلالات التي أطلق عليها اسم الفتوحات، حتى وصلت إلى المغرب الأقصى الذي يقول عنه ابن خلدون في مقدمته أن المسلمين حين دخلوه قتلوا ما شاء الله حتى وصلوا إلى تارودانت!! ومع ذلك ارتد الأمازيغ أكثر من اثنا عشر مرة ولم يخضعوا إلا بعد أن عمل السيف فيهم ما عمل، ثم ماذا نقول عن التفجيرات التي تتم بين الأبرياء والطائرات التي أزهقت أرواح الآلاف في الحادي عشر من سبتمبر.. وغيرها كثير.. هل قامت الدول بمظاهرات ضد الدول الإسلامية احتجاجا على هذه السلع (من أمثال محمد عطية) المصنعة داخلها والتي صدرتها إليهم!!

تريدون من العالم كله أن يحترم مقدساتكم ومشاعركم المرهفة ومع ذلك تعتبرون  العالم أجمع والأديان كلها دون مشاعر، تسبون هذا وتسخرون من ذاك تفجرون هذا وتذبحون ذاك.. ومع ذلك أنتم المظلومون، والعالم كله ظالم!!

 

المسألة الثانية: الرسام الدانماركي لجأ إلى أحد الفنون الراقية وهو الرسم وعبر من خلاله عن أفكاره البسيطة جدا والتي لا ترقى حتى إلى ما جاء في السيرة النبوية بخصوص حياة محمد ولو بالقليل، كان تعبيره سلميا ومتحضرا في إطار ما تخوله له الحرية في بلاده، لأنه لم يكتب أصلا للمسلمين، (هل سيغضب مثلا بوذي يعيش في الهند عما كتبه صحفي سعودي عن البوذية في صحيفة سعودية لا تصل إلى الهند؟) بالمقابل جاء رد الفعل صاخبا همجيا وحشيا حتى وصل درجة إحراق السفارات والمقرات والمطالبة بسفك دماء الرسام، وهنا يلاحظ الإنسان فرقا كبيرا بين تعبير عقليتين.. عقلية متقدمة تستخدم وسائل التعبير الحضارية، وعقلية متخلفة لازالت تؤمن بأن سيف علي هو الحل. عقلية لا تؤمن بالرسوم (تحرمها تحريما باتا ومع ذلك تستفيد منها في الصحافة والأنترنت.. وكل وسائل الإعلام ثم تحرمها متى شاءت). عقلية لا تؤمن بأي أسلوب تعبيري آخر غير التخريب والتدمير والقتل. هل عجزت كل الأقلام والريشات وعجز الرسامون المسلمون (وهم سيلجون النار بنص الحديث) هل عجزوا عن الرد على هذا الرسام الدانماركي ولم يجدوا إلا إحراق الأعلام والسفارات كوسيلة للتعبير؟ الأمة الإسلامية أمة مفلسة فكريا لذلك أول ما تلجأ إليه هو السيف اقتداء بنبيها الرحيم والذي جسد قمة الرحمة في سيفه.

 

المسألة الثالثة: هذه الغوغاء كلها تمشي فقط وراء التيار، لأنهم يشبهون البهائم، لا يفقهون ولايفهمون ولكنهم يرددون الشعارات ويسيرون وراء أي شيء عنيف وفيه هتاف وفيه حرق وفوضى، إن سألتهم هل رأيتم هذه الرسوم؟ هل قرأتم الصحيفة الدنماركية وقرأتم السياق الذي جاءت فيه الرسوم؟ ومتى تم نشر هذه الرسوم؟ لن تجد جوابا، المهم أنهم يسيرون وراء التيار وهذه مأساة الأمة الإسلامية!! كثيرون لا يعرفون حتى أين هي الدانمارك على الخريطة ومع ذلك يهتفون ضدها ويحرقون علمها. في عصر الخليفة المأمون كان الشاعر العتابى يسير فى شوارع بغداد، فدخل السوق وهو يأكل الطعام، وكان ذلك يخالف المروءة أو"الاتيكيت" لدى ارباب الطبقة العليا، ولذلك احتج عليه صديقه قائلا "أتأكل الطعام فى السوق ويراك الناس؟" فقال له العتابي ساخرا: "وهل اولئك ناس؟انهم بقر"، فاحتج صديق العتابي وزمجر، فقال له العتابى: "سأريك ان كانوا ناسا أم بقرا" ثم صعد الى الربوة ونادى فى الناس" ياقوم هلموا أحدثكم عن رسول الله، فتدافع اليه الناس واجتمعوا حوله، واقبل يحدثهم يقول: روى فلان عن فلان عن فلان ان رسول الله. قال. وظل يخرج من حديث الى أخر وقد تعلقت به العقول والقلوب العيون، وسيطر على المستمعين، اذا حرك يده يمينا تحركت رؤوسهم يمينا، واذا أومأ برأسه يسارا التفتوا يسارا، الى أن قال لهم.. وروى غير واحد (اى أكثر من واحد) أنه ص قال: "اذا بلغ لسان احدكم ارنبة انفه دخل الجنة" وسكت.. فاذا بكل واحد من المستمعين يخرج لسانه يحاول ان يصل به إلى أنفه، واصبح منظرهم جميعا مضحكا، فالتفت العتابى الى صديقه ساخرا وقال: ألم اقل لك انهم بقر؟

 

المسألة الرابعة: الأمة الإسلامية أمة تعبد محمدا لا الإله، في المغرب والجزائر مثلا، تسمع سب اسم الرب علانية في المقاهي وفي الشارع وفي الملاسنات والمشاجرات بين الناس دون أن يحرك أي شخص ساكنا، ربما يقول أحد المتدينين لأحدهم: "العن الشيطان واستعد بالله عد إلى رشدك" هذا في أقصى الحالات وإلا فإن الكل يتفرج ثم يتفرقون كل إلى سبيله، هذا الله يسب ومع ذلك لا يعني الأمر أي شيء! والمتأمل لهذا الظاهرة الاجتماعية يتساءل: لماذا لا يسبون محمدا حين يتشاجرون؟ لماذا يسبون الله! ماذا لو قام أحدهم بسب محمد مثلا؟ لو قام بذلك لانقلبت الأمور رأسا على عقب ولسمع من السب والشتم ما لم يسمعه من قبل ولربما تعرض للعقاب! لم يتحرك أي بلد إسلامي في يوم من الأيام غيرة لله على اسمه مطالبين الناس باحترامه! ومع ذلك حين تعلق الأمر بصورة لمحمد قامت الدنيا ولم تقعد لأن الأمر هنا تعلق بمحمد وليس بالله! ماذا لو رسم هذا الرسام صورة لله مثلا؟ هل كان سيعترض أي شخص على ذلك؟ أو تقوم في العالم الإسلامي مظاهرات ضد مثل هذه الرسوم! العالم الإسلامي يقدس محمدا أكثر من الله! ورغم أنهم يقولون الله ورسوله فهم فالحقيقة يعنون محمدا أولا وإلهه ثانيا أو ثالثا! هذه هي الحقيقة التي لا يريدون الاعتراف بها.

 

المسألة الخامسة والأخيرة:

ماذا نستنتج من كل هذا؟ وما الذي نخلص إليه؟ أن هذه الأمة أمة العقد تعيش القهر والظلم والكبت الاجتماعي أمة المعوقين فكريا، لم يعد لديها أي شيء تدافع عنه ليس لديها لا حرية ولا كرامة ولا ديموقراطية ولا علم، لأننا أمة النسب العالية في البطالة والأمية والفقر، لا نجد شيئا نفتخر به ليس لدينا ما نقول للعالم أجمع أننا نتفوق فيه وندافع عنه.. لذلك بحثنا في الكتب الصفراء وصرنا نعيش على ذكرى عدل مزعوم أيام عمر، وانتصار خادع أيام الأيوبي، وشرف زائف أيام محمد ونسجنا حول ذلك التاريخ هالة من القداسة نحذر كل من اقترب منها أو حاول زعزعتها أو إزالتها لأنها القشة الوحيدة التي لازلنا نتمسك بها لعلنا ننجو من الغرق! ولبئس ما تمسكنا به حتى صرنا أضحوكة للعالم أجمع.

================

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط