بسام درويش / Oct 15, 2005

"ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية ان الولايات المتحدة عرضت على سوريا صفقة لانقاذها من عقوبات دولية محتملة في مقابل سلسلة من التنازلات الاقليمية.

وقالت الصحيفة ان العرض جاء قبل نحو اسبوع من التقرير الذي سيرفعه ديتليف ميليس المحقق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الى مجلس الامن.

واضافت الصحيفة ان من المتوقع ان يشير ميليس في تقريره باصابع الاتهام الى مسؤولين في الاستخبارات السورية.

ونقلت عن مسؤولين امريكيين وعرب بارزين قولهم ان قائمة الشروط الامريكية تتضمن ما يلي:

ـ ان تتعاون سوريا بشكل كامل مع التحقيق في اغتيال الحريري وان تسلم أي مشتبه بهم الى محكمة دولية.

ـ ان توقف سوريا كل اشكال التدخل في الشؤون اللبنانية.

ـ ان تتخلى دمشق عن تمويل وتدريب المقاتلين العراقيين على اراضيها، والذين تقول واشنطن انهم يتمتعون بحرية الحركة.

ـ ان توقف سوريا كل اشكال الدعم للحركات الاسلامية المسلحة مثل حزب الله وحركتي حماس والجهاد الاسلامي.

وفي المقابل، فان سوريا يمكن ان تحصل في حال قبولها ذلك، على علاقات حسنة مع الولايات المتحدة وان تتلقى مساعدات واستثمارات اجنبية وان تضمن استمرار النظام الحاكم فيها.

ووصفت "التايمز" هذا العرض بأنه يستند الى ما اسمته "صفقة القذافي" في اشارة الى الصفقة التي ابرمها الزعيم الليبي معمر القذافي مع واشنطن قبل عامين وشملت استعادة الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية كاملة مع ليبيا مقابل تسليم كل برامجها للاسلحة غير التقليدية.

وقالت الصحيفة ان الامريكيين مقتنعون بأنه في حال قبلت سوريا مثل هذه الصفقة فإن ذلك سيغير المناخ السياسي في الشرق الاوسط بشكل كبير لانه سيؤدي الى "تحرير لبنان ويوجه ضربة قاصمة الى الحركات المسلحة في العراق ويفتح المجال امام حصول تقدم في العلاقات بين اسرائيل وفلسطين".

ونقلت الصحيفة عن مصدر قريب من السلطات السورية تأكيده نقل العرض قبل عشرة ايام بواسطة طرف ثالث قائلا ان سوريا ابدت اشارات تفيد برغبتها في التعاون.

لكن الصحيفة نقلت عن مسؤولين بريطانيين تشكيكهم في امكانية ان يقبل الرئيس السوري بشار الاسد مثل هذه الصفقة لانها تنطوي على حد كبير من التنازلات."

نقلاً عن بي بي سي أونلاين: 15 أكتوبر 2005

*************

كل ما جاء في هذا الخبر أمرٌ معقول. الولايات المتحدة تسعى إلى القضاء على الإرهاب بأي وسيلة من الوسائل. أميركا لا تسعى وراء الناطور إنما وراء الكرْم. والكرْمُ بالنسبة لها هو الأمن العالمي، إذ دونه سيبقى العالم على فوهة بركانٍ لا بدّ وأن يؤدي في المستقبل إلى حرب شاملة تقضي على الأخضر واليابس. إن استمرار الحضارة الإنسانية واقتصاد العالم مرتهنان بالقضاء على الإرهاب قضاء تاماً.

لذلك، فكل ما جاء في هذا الخبر أمر معقول ومفهوم إلا كلمة واحدة تكررت مرتين في البدء وفي النهاية، وهي كلمة "تنازلات"!!

************

كلمة "تنازلات" تعني أن يتنازل الإنسان عن شيءٍ ما هو أساساً حقٌّ من حقوقه أو مطلبٌ مهمٌّ له. التنازل عنه يكون عادة لغاية حقنِ دماءٍ، أو تسويةِ قضيةٍ قد يستفحل خطرها في حال عدم تسويتها. مقابل هذا التنازل، غالباً ما يكون هناك تنازلٌ أعظم أو اقل من الطرف الآخر.  

الخبر المذكور أعلاه، يشير إلى بعض "التنازلات" المُتوَقّعة من النظام السوري مقابل إنقاذها من عقوبات دولية محتملة. وتقول الصحيفة التي نقلت عنها بي بي سي أونلاين هذا الخبر، إن مسؤولين بريطانيين قد اعربوا عن شكوكهم في أن يقبل الرئيس السوري بشار الأسد مثل هذه الصفقة لأنها تنطوي على حد كبير من التنازلات!

************

أيّ منطقٍ هو هذا الذي يجيز إطلاق صفة "تنازلات" على المطالب الموجهة للنظام السوري كشروط لإنقاذه من العقوبات التي تنتظره؟.. افتراضاً بأن هناك حقاً وعوداً أميركية كتلك.

هل يُعتَبَرُ تعاون النظام بشكل كامل مع المحققين في اغتيال الحريري تنازلاً منه؟..

هل يُعتَبَرُ قبول النظام بتسليم أي مشتبه به إلى محكمة دولية تنازلاً؟..

هل يُعتبَرُ التوقف عن التدخل في شؤون لبنان تنازلاً؟..

هل التوقف عن تمويل وتدريب الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء العراقيين يُعتَبَرُ تنازلاً أيضاً؟..  

وماذا عن دعم الحركات الإرهابية الإسلامية مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها؟.. هل يُعتَبَرُ التوقف عن دعمها وتأمين قواعد لها على الأر ض السورية تنازلاً؟..

أليست كل هذه المطالب أموراً يجب أن تلتزم بها كل دولة يُفتَرَضُ أنها تحترم نفسها وجيرانها طبقاً للمواثيق الدولية التي وقعت عليها؟..  

في الواقع، حتى تخلّي النظام البعثي عن الحكم في سوريا لا يجوز أن يُعتبر تنازلاً، لأنه بالأساس نظامٌ غير شرعي، ووجوده لهذه الفترة الطويلة من الزمن لا يجعل منه شرعياً. إن الإنقلاب العسكري الوحيد في سوريا الذي يمكن أن ينظر إليه تدخلاً شرعياً من الجيش كان انقلاب الثامن والعشرين من أيلول. فهؤلاء الضباط الشجعان لم يقوموا بانقلاب على حكم وطني شرعي إنما قاموا به دفاعاً عن البلاد ضد دولة أجنبية هي مصر. قاموا به قبل ان ينفذ عبد الناصر مخططه لسرقة الخزينة السورية وكذلك قبل أن ينفّذ مخططه بتوطين ملايين المصريين على الأرض السورية. بعبارة اخرى أنقذوا بلادهم من الاحتلال، ثم قاموا وخلال اشهر قليلة بالانسحاب إلى ثكناتهم بعد تسليم مقاليد السلطة لحكومة منتخبة من الشعب.

*************

إضافة إلى خطأ استعمال كلمة "تنازلات" فإن المسؤولين البريطانيين مخطؤون أيضاً في كيفية التعبير عن شكوكهم.

تشكيكهم في امكانية ان يقبل الرئيس السوري بشار الاسد مثل هذه الصفقة "لانها تنطوي على حد كبير من التنازلات" هو بالتأكيد تعبير خطأ.

النظام لن يقبل بمثل هذه الصفقة لأنها تعني نهايته. فنظام كهذا النظام لا يمكن أن يعيش دون مؤامرات يحيكها على جيرانه وعلى شعبه، لأن عودته إلى حظيرة المجتمع الدولي ستفرض عليه التغيير، والتغيير يعني الديمواقراطية، والديموقراطية ستقضي عليه!

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط