بسام درويش / May 30, 2003

لا.. لا.. لصدام!..

نعم.. نعم.. للإسلام!..

هكذا تعالى هتاف أنصار محمد باقر الحكيم في العراق وهم يحملون اللافتات التي تندد بالوجود الأمريكي.

خمسة وعشرون عاماً تحت نير حكم صدام حسين، لم تجرؤ خلالها حنجرة من حناجر هؤلاء أو غيرهم على الهتاف، ليس ضدّ صدام فقط، بل ولا حتى لعزّة الإسلام.

خمسة وعشرون عاماً، لم يجرؤ العراقيون خلالها، حتى على الهتاف بحياة صدّام، قبل أن يمرّ نص هتافهم تحت عين الرقيب لدراسته، والتأكّد مما إذا كان باطنه، لا يعني عكس ظاهره!

الآن فقط وجدت الجرأة في نفوس هؤلاء الأشاوس طريقها إلى حناجرهم، فاستطاعوا أن يهتفوا للإسلام وللتنديد بصدّام!..

الآن فقط، وفي ظل الإدارة الأمريكية، استطاع هؤلاء أن يهتفوا بما أرادوا، ولمن أرادوا، حتى لو كان هتافهم ضدّ هذه الإدارة بالذات التي منّت عليهم بهذه الحرية!

أنْ يهتف هؤلاء، "لا لصدام.." فإنه لأمر مفهومٌ، رغم أنّ الهتاف جاء متأخراً تماماً. لكن أن يهتفوا قائلين، "نعم الإسلام.." فهو أمرٌ يستحق التوقّف عنده والتأمل فيه.

من الواضح أن المتظاهرين، لا يقصدون من هتافهم "نعم للإسلام"، بأنهم يطالبون بحقهم بممارسة دينهم وطقوسهم، إذ لا يمكن أن يختلف اثنان على ما يتمتع به المسلمون من حرية في ممارسة شعائرهم في ظل القانون الأمريكي، سواء كان ذلك في العراق أو في أمريكا. إنّ ما قصد به المتظاهرون من ذلك الهتاف هو أنهم يريدون نظام حكم إسلامي.

*********

ما هي مقومات النظام الإسلامي الذي لا تبرح جماعات إسلامية هنا وهناك تطالب به. هل وُجد في تاريخ المسلمين أو العرب نظامُ حكمٍ إسلامي يمكن أن يقدموه لنا كنموذجٍ للنظام الذي يحلمون به؟

الحق يقال إنه لم يقم في تاريخ المسلمين والعرب، ولا حتى في حاضرهم، نظامٌ يمكن أن يتفقوا على اعتباره نظاماً إسلامياً حقيقياً، اللهم إلا نظام واحد ـ سواء اتفقوا أو لم يتفقوا على تصنيفه ـ وهو نظام طالبان. إنه النظام الوحيد الذي ذهب إلى أبعد الحدود في تطبيق تعاليم الإسلام، فاستحق بذلك أن يدعى نظاماً إسلامياً. لقد حرص هذا النظام على تطبيق تعاليم الإسلام إذ أرهب العالم، هدد الحضارة، اعتدى على آثار وتاريخ الأمم الأخرى، جرّد المرأة من حقوقها الإنسانية وأذلّها وأنزلها إلى مرتبة البهائم، أظهر وحشية في كل أحكامه التي أصدرها، أعلن عداءه لكل الفنون، وكان في طريقه يوماً بعد يوم، للعودة بأفغانستان إلى عصر محمد بالذات.

هذا من حيث التطبيق، أما من حيث النتائج، فليس هناك اختلاف كبير بين نظام إسلامي كنظام طالبان وأي نظام آخر في أي دولة إسلامية، لا في الماضي ولا في الحاضر. كل الدول الإسلامية استبدادية قمعية لا احترام فيها لحقوق الإنسان، لأن القاسم المشترك بينها ليس الحاكم المستبدّ، إنما هو الإسلام الذي يستمدّ منه الحاكم استبداده.

لقد أثبت الإسلام فشله كدولة، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ليس هناك دولة إسلامية تنعم بالاستقرار. ليس هناك دولة إسلامية ينعم في ظلها المسلمون بمختلف طوائفهم بالعدالة. كما وليس هناك دولة إسلامية تحظى باحترام المجتمع العالمي. فإذا ذكر الجهل، أو المرض، أو الفقر، أو الغنى الفاحش المقترن بالفساد، أو الإرهاب، أو التأخر العلمي، أو حقوق الإنسان المسلوبة، ـ حقوق المرأة بشكل خاص ـ أو الاضطهاد الديني والسياسي، أو الفساد الإداري والقضائي أو ما شابه ذلك، فإن أول ما يخطر على الفكر هو العالم الإسلامي.

لا فرق بين نظام صدام ونظام الإسلام. كلاهما يتعارضان مع حقوق وكرامة الإنسان، وكما ذهب نظام صدام إلى غير رجعة، كذلك ستلحق به كل الأنظمة الشبيهة به.       

سواء كان هؤلاء المتظاهرين، قد خرجوا يطالبون بنظام حكمٍ إسلامي شبيه بنظام طالبان، أو إيران، أو حتى السعودية، فإنهم لا شكّ قد خرجوا يسيرون في الاتجاه المعاكس للريح العظيمة التي ستغير معالم الإنسانية، ريح النظام العالمي الجديد.

=====================

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط