بسام درويش / Dec 12, 1993

يقول المثل العربي العامي: من قلَّة الخيل شدِّينا على الكلاب سروج.

ويفخر العرب بأمور كثيرة كسيوفهم وكرمهم وبلاغة شعرهم، كما يفخرون بخيلهم التي تعتبر من بين أفضل الخيول في العالم.

 

ومع أن الجمل هو أعظم الحيوانات نفعاً للعربي، فإنَّ العربي يرى في فرسه حيواناً أرفع منزلةً من كل الحيوانات على الإطلاق، وبالتالي فإنه ينظر أيضاً إلى راكب الفرس على أنه أرفع منزلةً من راكب البغل أو الحمار.

وتختلف السروج التي تُشدُّ على ظهور الخيل عن تلك التي توضع على ظهور الحمير والتي تُسمّى خِـرَجة ومفردها خُرج. سروج الخيل هذه، إذا ما وُضعت على ظهور الحمير فإنها تكون بالتأكيد مدعاةً للسخرية، فكيف بها إذن إذا وُضعت على ظهور الكلاب؟!..

 

وبناءً على ذلك فإن العامة من الناس تستعمل المثل المذكور، للتعبير عن رأيها فيمن يتبوَّأ مركزاً مهماً من المراكز دون أن يكون جديراً به، كالحمير التي تتباهى أو يتباهى بها أصحابها إذا "شُدَّت" عليها سروج الخيول.

 

هذا المثل قد أضحى اليومَ حقيقةً واقعة لا يمكن تجاهلها، إذ أصبح من النادر أن نرى خيولاً بسروج أو حتى دون سروج.

 

لقد أصبح أمراً طبيعيـاً أن نرى الحمير والبغال والكلاب وأبناء وبنات عمها وهي تسير متقدّمةً القوافل، تحمل السروج المزركشة، تزينها الأوسمة والنياشين والأسماء الكبيرة الرنانة..

 

بعض الحمير التي ارتفعت مراكزها، استغنت عن السوط الذي يأتي مع ملحقات السرج مجاناً، لكنها إذ لم تستطع الاستغناء عن العصا التي تعـودَّت على نخزهـا لمؤخراتها، فقد رأت أن تُحَسِّنَ من مستواها، فجعلت لها طرفا ًمدبباً ومذهَّباً، واختارت لها اسماً جديداً حيث دعتها بعصا المارشالية، ثم أخذت بعد ذلك ترفس على طريقـة الحصان بمجرد أن شعرت بكامل العدَّة تستقـرُّ فوق ظهرها.

 

ولقد أدَّى انعدام الخيول الأصيلة في العالم العربي الى زيادة ملحوظة في عدد البغال والحمير والكلاب؛ فأصبح المجتمع هناك يقبل بها أمراً واقعاً لسدّ العجز في ميزانية عدد الخيول.

 

بعض أهل ذلك المجتمع هاجر إلى الغرب ولا زال يقبل بهذا الأمر الواقع، والبعض الآخر تطبّع بطباع مجتمعه الجديد الذي لا يرى في الكلاب إلاَّ حيوانات للحراسة أو للاستمتاع بصحبتها، أو في الحمير إلاَّ مخلوقات غبية مكانها حدائق الحيوانات للأطفال يتفرَّجون عليها.

 

يُضرب هذا المثل أيضاً حين يضطر أحدٌ ما الى قراءة أعمال لأدباء، لا يميزون بين الألف والاء، أو إلى مصاحبة أناس يُطلَق عليهم مجازاً اسم الأصدقاء، أو إلى الاستماع الى مطربين، طربُهم كَرَبٌ وصوتُهم عجب..

وإلى لقاء مع مثلٍ آخرَ من أمثال العرب.

===================

من كتاب "لا حياة لمن تنادي، لبسام درويش" طبع سنة 1997

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط