جوزيف بشارة / Sep 14, 2008

أثارت فضولي واهتمامي رسالة أخبرتني بقيام هيئة مسيحية إنجيلية غربية بدعوة المسيحيين حول العالم بتنظيم صلوات خاصة من أجل المسلمين خلال شهر رمضان. وجدت في مضمون الدعوة جهداً غير تقليدي لترميم الجسور المتهالكة بين المسيحيين والمسلمين، ومن ثم قررت متابعة الدعوة بغرض معرفة أبعادها وحيثياتها وأهدافها. وبالبحث، علمت أن منظمي الدعوة هم مجموعة من المسيحيين يتبعون منظمة "شباب ذو رسالة" التي أسسها الأمريكيان لورين ودارلين كاننجهام عام 1960، وهي منظمة تؤمن برسالة الإخاء والمحبة والسلام التي حملها السيد المسيح، وتهتم بالمقام الأول بمساعدة الفقراء والمحتاجين عبر برامج التعليم والتدريب والمساعدات.

 

يقول منظمو الصلوات المقامة من أجل المسلمين خلال شهر رمضان أن دعوتهم هذا العام هي الدعوة رقم 17، حيث سبق لهم تنظيم مثل هذه الصلوات بصفة سنوية منذ عام 1993. ويشير المنظمون إلى أن هدف صلواتهم هو التواصل مع المسلمين بعدما لمسوا من خلال تعمقهم في الكتاب المقدس محبة الله للمسلمين التي تأتي في إطار محبته لجميع خلائقه على اختلاف دياناتهم ومللهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم. ويوضح المنظمون أن سبب اختيارهم لشهر رمضان للصلاة من أجل المسلمين هو رغبتهم في إظهار تفهمهم واحترامهم للمسلمين في خلال فترة تعد من أهم فترات السنة بالنسبة لكل من يدين بالإسلام. ويؤكد المنظمون على أن الدعوة إلى الصلاة من أجل المسلمين في شهر رمضان تحمل في طياتها كل معاني التقدير والاحترام الذي يكنه المسيحيون للمسلمين.

 

ويذكر منظمو الصلوات في كتيب صغير بعنوان "30 يوماً من الصلاة للمسلمين" أصدروه بمناسبة دعوتهم هذه أن وسائل الإعلام قد تتسبب في كثير من الأحيان، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، في إظهار المسلمين بصورة سلبية، وهو ما قد تترتب عليه بعض مظاهر الظلم والخوف والسلوك السلبي تجاه المسلمين. ويدعو المنظمون المسيحيين للتوبة والندم عن أية أعمال من شأنها الإساءة للمسلمين ولا تتفق مع رسالة المحبة التي بشر بها السيد المسيح والتي تدعو المسيحيين لحب الآخرين من دون شروط. ويشير منظمو الصلوات إلى أن المسلمين هم أصدقاء وجيران وأحبة وزملاء للمسيحيين، مشددين على أنه رغم انخراط بعض المسلمين، وليس كلهم، في أعمال عنف واضطهاد ضد المسيحيين في الكثير من البلدان الإسلامية، إلا أن رسالة السيد المسيح تدعو إلى التسامح والصلاة من أجل المضطهِدين والظالمين.

 

لا يساوروني الشك في أن دعوة المنظمة الإنجيلية المسيحيين للصلاة من أجل المسلمين في شهر رمضان هي دعوة نبيلة تعكس بحق رسالة المحبة الحية والعظيمة التي جاء بها السيد المسيح والتي يسعى أحباؤه الحقيقيون لنشرها في ربوع العالم. فصلاة المسيحيين للمسلمين خلال شهر رمضان إذا نظر إليها بإيجابية ومن دون حساسية هي عمل رائع من شأنه أن يقرب بين الطرفين وأن يغرس أسس المحبة بينهما في هذه المرحلة العصيبة من التاريخ الإنساني التي يسيطر فيها التطرف على العقول ويفزع فيها الإرهاب الأبرياء. قد يكون التعريف برسالة السيد المسيح أحد أهداف المنظمة، وما أروعها وسيلة للتعريف بالرسالة السامية، فاستخدام الصلاة والمحبة والسلام للتعريف بالرسالة خير من استخدام السيف والإكراة والكراهية.

 

لست أدري كيف سيستقبل المسلمون في البلدان العربية والإسلامية دعوة عدد من المسيحيين الغربيين للصلاة من أجلهم في شهر رمضان. من المؤكد أن هناك عدداً لا بأس به من المعتدلين من المسلمين الذين لن يعترضوا على مثل هذه الدعوة السلمية التي تؤكد على روح المحبة التي يكنها المسيحيون لإخوتهم المسلمين. ولكن من المؤكد أيضاً أن هناك من سيستقبلون الدعوة بالكثير من الشك والمزيد من الكراهية. بل وفي ظل التطرف والاحتقان الموجود في صفوف المسلمين لن يدهشني ظهور أصوات تهاجم الدعوة وتعتبرها مؤامرة تبشيرية تحيكها منظمات مسيحية متصهينة ضد الإسلام والمسلمين.

 

وإنني إذ أهنيء كل المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان، شهر الصوم عن الطعام والشراب، فإنني أتمنى أيضاً لهم جميعاً صوماً ونبذاً دائماً لسلبيات كالكراهية والحقد والتطرف والإرهاب. وكم أتمنى أن تتأصل خلال هذا الشهر المحبة والأخوة والصداقة بين المسيحيين والمسلمين، ليس على طريقة موائد الإفطار الرسمية التليفزيونية التي تنظمها الهيئات والمنظمات والتي تثمن ولا تغني من جوع ولكن على طريقة التواصل مع الآخر واحترامه وتقدير حقوقه. ودعونا مسيحيين ومسلمين ننتهز بحق حلول شهر رمضان في التقارب والتغلب على مظاهر التفرق وكل عام ونحن جميعاً في محبة وسلام.

جوزيف بشارة

josephhbishara@hotmail.com

المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط