تقول الأخبار أن (انتحارياً) تم القبض عليه حين عودته من (العراق) وعندما سئل عن سبب عودته أجاب أن رفاقه أعطوه موعداً بعد ستة أشهر لعملية انتحارية نظراً لوجود أعدادٍ كثيرة من (الانتحاريين)..
يعني زحمة شديدة في عدد (الانتحاريين) وعليهِ أن ينتظر دوره..!!
يبدو الأمر (بطولياً) كثرة الانتحاريين في المفهوم (الجهادي) الذي تتناوله مجاميع التشدد الديني وجماعات الإرهاب الأصولي وفضائيات التحريض العنفي وشرذمة من المثقفين الإسلاميين والقوميين..
فلا تزال أمة الإسلام والعروبة تطلق على الانتحاري الذي يفجر نفسه في جموع من الأبرياء أو في أي عملية انتحارية لقب (الشهيد) وتسبغ عليه هالات (الشهادة) وألقاب (المقاومة) الباسلة..
فليس غريباً أنهم أطلقوا في وقتٍ سابق ولا زالوا على (عدي وقصي) نجلي الطاغية (صدام) لقب (الشهداء) والبعض منهم رفعوهما إلى منزلة (سيدا شباب أهل الجنة) لأنهما (استشهدا) في معركة جهادية ضد قوات (العلوج) الأمريكية
وفي ذات لقاء تلفزيوني علق أحد الإعلاميين العراقيين بتندر ٍ بالغ على مشهدية التبجيل الأصولي والقومي وأيتام صدام والقنوات الفضائية لشهيديهما عدي وقصي قائلاً:
يقولون أن عدي وقصي ماتوا شهداء، يعني تريدون أن تقولوا أنه يوم القيامة سيدخل الحسين بن علي (رضي الله عنه) الجنة وعلى يمينه عدي بن صدام وعلى يساره قصي..
وكما يقول المفكر (خالص جلبي):
(ولا يوجد كلمة أسيء استخدامها مثل كلمة الشهيد ولا يوجد كلمة غامضة مثل الشهيد ولا يوجد كلمة مضللة مثل كلمة الشهيد)..
وفي إحدى عواصم الدول العربية أقاموا سرادق العزاء (لانتحاري) فجر نفسه في مكان لتجمع الناس في بغداد وأطلقوا عليه اسم (الشهيد)..
وفي عملية انتحارية واحدة تدافع أكثر من (13) انتحارياً في يوم واحد لتفجير أماكن تجمع الناس والقوات العراقية في العراق وكلهم شهداء (بإذن الله)..
وكنا نفهم أن يفجر (انتحاري) واحد ٌ نفسه في جمع ٍ من الحشود ولكن ما لا نستطيع أن نفهمه هو أن تقوم (جماعة) من الانتحاريين دفعة واحدة في تفجير أنفسهم لقتل شخص واحد أو اثنين كما رأينا في عمليات الانتحار الجماعية التي حدثت ضد القوات الأمريكية ومراكز الشرطة في العراق وأصبح هذا الأسلوب منتهجاً الآن في عقلية الإرهابيين..
وكنا نفهم أن يذهب (الانتحاري) إلى حتفه (مغيباً) عن وعيه ومتشوقاً للقاء (حور العين) ولكن أن يقوم الآخرون بتفجيره من بعد دون أن يعلم كما حدث في تفجيرات (لندن) في السابع من يوليو فهذا أمر لا نستطيع أن نفهمه..
أين تسير هذه الأمة التي تدفع بهذا الكم الهائل من الانتحاريين إلى جحيم الموت والقتل والتفجير..؟؟!!
الأمم التي تحترم قداسة الحياة الإنسانية وتحب الحياة تنجب المخترعين والأطباء والمهندسين والفلاسفة والمفكرين لذلك فهي أمم تستحق أن تعيش وتستحق الحياة..
أما الأمة التي تنجب و تفرخ (الانتحاريين) فهي أمة خائبة لا تؤمن بالمستقبل ولا تستحق الحياة وهي أمة مشبعة بثقافات الموت والقتل والتدمير..
كيف نفسر من يدفع بأطفال وشباب أمته الغض إلى الموت فأقل ما يمكن القول عنها إنها أمة لا تؤمن بالمستقبل ولا تؤمن بأحقية الإنسان في العيش والحياة..
والسؤال الأكثر غموضاً والذي لا تزال تطرحه الأوساط الغربية عن أن كيف تتملك (الانتحاري) رغبة جامحة في الموت ؟؟
وماذا علينا أن نفعل مع شخص لا يرغب إلا في الموت؟؟!!
وقد تبدو هذه الظاهرة عصية على الفهم في ظل الخلط المتعمد بين المفاهيم والأفكار..
ولكن هل أخضعنا هذه الظاهرة للدراسة العميقة وفهم أسبابها ودوافعها؟؟
وهل فتشنا عن أحد أكثر الأسباب انتاجاً لهذه الظاهرة وهي تجذر ثقافة الموت وفقه الموت في تلافيف العقلية الإسلامية بدلاً من ثقافة تمجيد الحياة وحبها..
في واقع الأمر أن شيئاً من ذلك القبيل لم يحدث فلم نزل نرى أمتنا مفتونة بعمل الانتحاريين والتصفيق لهم لا زال حاراً وخطابات التحريض لا تزال تدفع بهم إلى اعتلاء منصة (الشهادة)..
الأمة التي تفرخ (الانتحاريين) أمة مهووسة بقتل الحياة وأمة مريضة بثقافتها ومريضة بالانتحاريين..
================
محمود كرم، كاتب كويتي
tloo1@hotmail.com
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط