بسام درويش
/
Oct 19, 2002
في استفتاء شعبي على تجديد مدة رئاسته، حصل صدام حسين على نسبة 100% من مجموع أصوات الناخبين طبقاً للنتائج الرسمية. وذكرت جريدة الشرق الأوسط أن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزت إبراهيم قال في مؤتمر صحافي في بغداد أمس، أعلن خلاله النتائج الرسمية، "لقد فاز الرئيس القائد صدام حسين بنسبة مائة في المائة" من الأصوات، مضيفاً أن نسبة المشاركة كانت أيضا "مائة في المائة". وأوضح "لقد ساهم أبناء شعبنا العظيم في الإدلاء بأصواتهم بنسبة 100% ممن يحق لهم التصويت البالغ عددهم 11 مليونا و445 ألفاً و638 مواطنا، وقد بلغ عدد الذين قالوا نعم للرئيس صدام حسين 11 مليونا و445 ألفاً و638 مواطناً".
وكان الرئيس العراقي قد حصل في آخر استفتاء أجري في عام خمسة وتسعين على نسبة 99.9 % من الأصوات.
============
إذا كان في هذا الخبر عبارةٌ تظهرُ مبلغَ الإفلاسِ السياسي الذي وصل إليه الحكمُ في العراق فإنها العبارةُ التي تقول: "طبقاً للنتائج الرسمية"!.. فعندما يصل هذا الحكم إلى مرحلةٍ يمنحُ فيها هذه الكذبة الكبيرة صفة "الرسـمية"، فإننا نعرف آنذاك اليأس الذي يعاني منه.
"الرسمية"!.. صفةٌ يطلقها كل الحكام العرب على بلاغاتهم الكاذبة، وكأنهم يعتقدون بأنها تضفي على ما يقولون بعض المصداقية!.. ولكن، كل أكاذيب العرب في كفة، وهذه الكذبة الجديدة في كفة أخرى!.. حقاً، لقد ضربت هذه الكذبة العراقية رقماً قياسياً في "رسميتها"!
طبعاً، لم يكن العالم بحاجة إلى هذا الإعلان ليعرف أن النظامَ العراقي نظامٌ قائم على الكذب، ولكن هذا الإعلان بحد ذاته جاء، لا ليؤكّد كذب هذا النظام، بل ليبيّن مقدار غباء بعض حكومات العالم التي لا تزال تصرّ على إعطاء فرصة للعراق لإثبات مصداقيته في أي ادّعاء يدّعيه، خصوصاً فيما يتعلق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
***********
كذبة الانتخابات في العالم العربي كانت ولا زالت نكتة شعوب العالم بأسره، ولكن هذه الكذبة التي طلع بها الحكم في العراق، فاقت كل كذبة في التاريخ العربي ما عدا واحدة ليست هي موضوع حديثنا لهذا اليوم. إن واحداً من حكامِ العرب لم تبلغ وقاحةُ كذبهِ حتى اليوم نسبةً كهذه النسبة المئوية الكاملة!..
لقد اعتاد زعماء العرب أن يتركوا للمعارضة في نتائجهم الرسمية، نسبةً تبلغ على الأقل، "صفر فاصلة واحد بالمئة"، أو "صفر فاصلة عشر الواحد". وحتى لو بلغت وقاحة الكذب بأحدهم أن يعلن أنه حصل على نسبة مئة بالمئة، فإن أحداً منهم، ولا حتى القذافي في لحظة من لحظات جنونه، قد يصل إلى حدّ الإعلان بأن نسبة المشاركين الذين يحق لهم التصويت بلغت أيضاً مئة في المئة.
عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت بلغ 11 مليونا و445 ألفاً و638 مواطنا.. وعدد الذين قالوا "نعم للرئيس صدام حسين" بلغ أيضاً 11 مليونا و445 ألفاً و638 مواطناً". ويا للمهزلة!..
بعبارة أخرى، فإن "النتائج الرســـمية" تقول بأنه لم يتغيّب مواطن واحد من الذين يحق لهم التصويت عن مراكز الاقتراع. كلهم ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، وكلّهم قالوا وبقلب واحد ولسان واحد، "نعم للرئيس القائد"!..
لم يتغيّب عن الاقتراع إنسانٌ مريضٌ كان يُفتَرض مثلاً أن يكون في غرفة العمليات طوال ذلك اليوم.
لم تتغيب عن الاقتراع امرأة كانت شبه فاقدة للوعي بعد عملية قيصرية أنجبت فيها للأمة صوتاً جديداً يقول نعم للرئيس القائد!..
لم يتغيّب عن الاقتراع مواطنٌ كان غائباً عن الوعي لأنه وقع من أعلى السلم وكسر رقبته عندما كان يزيّن سطح بيته احتفالاً بإعادة انتخاب الرئيس.
حتى ذلك المواطن الذي انتقل إلى رحمته تعالى ساعاتٍ قليلة قبل بدء الاقتراع ونسي أن يكتب في وصيته أن يسرع أهله بعد موته إلى الدوائر "الرسمية" ليشطبوا اسمه من لائحة الذين يحق لهم التصويت.. حتى هذا، اضطر أن يستأذن ربّه فيترك كفنه ويذهب إلى أقرب مركز اقتراع، لكي تكون "النتائج الرسمية" رسميةً مئة بالمئة!..
***********
لو طُلِبَ من عشرة ملايين مسلم عراقي أن يدلوا برأيهم في حقيقة وجود الله أو في حقيقة نبوة محمد، لما كانت "النتائج الرسمية" مئة بالمئة، وليس إلا مُكابراً كاذباً من يقول بعدم وجود مسلم واحد من أصل عشرة ملايين لا يؤمن لا بالله ولا بمحمد.
العلّ صدام حسين إذن، قد بلغ شأناً أعظم من الله ومن محمد في قلوب الناخبين العراقيين، وعلى الأقل المسلمين منهم؟..
إذا كان هناك من يتساءل قائلاً، "إلى متى يستطيع الحكام العرب وعلى رأسهم صدام حسين أن يستمروا بالاستخفاف بعقل الإنسان العربي؟.." فالجواب هو: ما دام هذا الإنسان جباناً قانعاً بالذل متوكّلاً على الله، يردد ويعلّم أبناءه المثل القائل: "اليد التي لا تقدر عليها، قـبّلها وأنت تدعو عليها بالكســر!"
***************
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط