بسام درويش
/
Apr 27, 2002
عن بي بي سي أونلاين 25 إبريل 2002
«دافع السفير السعودي لدى المملكة المتحدة الدكتور غازي القصيبي عن قصيدته التي امتدح فيها عمليات التفجير الانتحارية الفلسطينية ضد الانتقادات التي وجهت إليه من جانب بعض الجماعات اليهودية.
وكان القصيبي قد نشر قصيدة في صحيفة الحياة الصادرة في لندن قال فيها إن منفذي عمليات التفجير ضد إسرائيل قضوا من اجل إعلاء كلمة الله.
وقد امتدح القصيبي في قصيدته الموسومة "الشهداء" آيات الأخرس الفتاة الفلسطينية ذات الـ 18 ربيعا التي فجرت نفسها في مركز للتسوق في مدينة القدس في الشهر المنصرم، وهي العملية التي أودت بحياة إسرائيليين وأدت الى إصابة 25 بجراح.
وكان مجلس أمناء الجالية اليهودية في بريطانيا قد انتقد القصيدة انتقادا شديدا، وقام بالكتابة الى السفير معبرا عن احتجاجه على ما جاء فيها. يذكر ان مجلس الأمناء كان قد أُسِّس عام 1760، وهو عبارة عن تجمع للجان تمثل الطوائف اليهودية المقيمة في بريطانيا، ويدافع عن مصالح اليهود في البلاد.
وقد ورد دفاع القصيبي عن قصيدته في رسالة نشرها على موقع السفارة السعودية في لندن على الانترنت.
وقد اتهم السفير السعودي في معرض رده إسرائيل باقتراف جرائم حرب. وقال القصيبي في رسالته إن رئيسي الحكومة الإسرائيلية السابقين مناحيم بيجن واسحق شامير - إضافة الى رئيس الحكومة الحالي شارون - عبارة عن إرهابيين، وهم مسؤولون عن قتل العديد من الفلسطينيين.
وقال القصيبي في رسالته المفتوحة، "عندما يبدي مجلس أمناء الجالية اليهودية الشجاعة الكافية ويشير الى هؤلاء الإرهابيين الإسرائيليين بوصفهم إرهابيين، ويشير الى ما اقترفته الحكومة الإسرائيلية في جنين بوصفها جريمة حرب، عندئذ سأكون سعيدا بتغيير موقفي من المناضلين الفلسطينيين."
وتقول وكالة اسوشييتيدبريس إن مكتب السفير أكد يوم الخميس ان القصيبي هو كاتب الرسالة المفتوحة وانه قد وافق على نشرها. وقالت الحكومة البريطانية يوم الخميس إنها قد ناقشت ما ورد في القصيدة مع القصيبي منذ وقت قصير. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية في لندن إن الحكومة أوضحت للسفير السعودي ان لندن تعتبر الهجمات الانتحارية ضربا من الإرهاب. ولكن الناطق أردف قائلا إن الحكومة البريطانية تعتبر الأمر منتهيا. يذكر ان القصيبي يمثل بلاده لدى المملكة المتحدة منذ عشر سنوات.»
***********
قصيدة السفير ليست موضوع تعليقي. واحتجاج اليهود على القصيدة ليس موضوع تعليقي. لا، ولا آيات الأخرس نفسها هي موضوع تعليقي!
موضوع تعليقي هو قول هذا السفير رداً على احتجاجات اليهود: "عندما يبدي مجلس أمناء الجالية اليهودية الشجاعة الكافية ويشير إلى هؤلاء الإرهابيين الإسرائيليين بوصفهم إرهابيين، ويشير إلى ما اقترفته الحكومة الإسرائيلية في جنين بوصفها جريمة حرب، عندئذ سأكون سعيداً بتغيير موقفي من المناضلين الفلسطينيين."
**********
مساكين هم العرب. حتى إقامة شهدائهم في الفردوس هي مؤقتة ومرهونة بكلمة من الإسرائيليين ومن السفير السعودي.
"آيات الأخرس" بنظر السفير السعودي شهيدة. وهي كذلك بنظر الملايين من العرب والفلسطينيين.
بنظر الإسلام والمسلمين، تنطلق روح الشهيد إلى جنّة السماء بعد أدائها لأعظم خدمة يمكن أن يؤديها مسلم لدينه وأمته. ولكن، بنظر السفير السعودي، فإن إقامة أرواح الشهداء في هذه الجنة هي إقامة مؤقتة تنتظر القرار النهائي من سموّه. لا بل إنّ إقامتها هناك هي موضوع مفاوضة بينه وبين أمناء الجالية اليهودية في بريطانيا.
السفير السعودي مستعد، إذا اعترف أمناء الجالية اليهودية بأن ما حدث في جنين هو عمل إرهابي، لأن يسحب أوراق إقامة آيات الأخرس في الفردوس، لا بل وأوراق كل من سبقها ولحقها من الشهداء المجاهدين.
آيات الأخرس تتجول الآن في الجنة مع نفر من أخوانها وأخواتها، ينهلون من لبنها وعسلها ومائها غير الآسن ما استطاعوا أن ينهلوا، دون أن يعرف أحد منهم متى تنتهي إقامته فيها. تجوّلهم في الجنة محدود أيضاً، لأن السفير السعودي ربط قدم كلٍّ منهم بشريط ينتهي طرفه الأخر بجهاز "ريموت كونترول" موجود في درج مكتبه في السفارة السعودية بلندن. فما أن يسمع هذا السفير من الجالية اليهودية كلمة تشير فيها إلى أن ما حدث في جنين هو عمل إرهابي، حتى يضغط على أحد أزرار "جهاز التحكّم" ليبعث بأرواح هؤلاء الشهداء إلى جهنّم وبئس المصير.
كما كان الوحي ينزل على نبي الإسلام بآيات تنسخ ما سبق ونزل منها، هكذا ينزل الوحي الشعري على السفير القصيبي. فهو اليوم يُدخِلُ بأبياته آيات الأخرس إلى الجنة، وغداً يُرحّلها عنها بأبيات أخرى.
************
في أميركا، تمنح الحكومةُ المهاجرَ بطاقة إقامة مؤقتة "غرين كارد" تسمح له بالعمل على أراضيها، بغض النظر عن دينه وعرقه، لا بل وتعطيه حقوقاً شبيهة بحقوق المواطن الأمريكي ما عدا حق الانتخاب وما يتفّرع عنه من حقوق. وبعد فترة خمس سنوات يحق للمقيم التقدّم بطلب للحصول على الجنسية. سَحْبُ هذه البطاقة الخضراء لا يتمّ بسهولة، إذ يمكن للمهاجر المقيم أن يقاضي دائرة الهجرة ويحتفظ بحقه في الإقامة إذا استطاع أن يثبت خطأ قرار الدائرة. أما سَحْبُ الجنسية، فهو أمر أعظم صعوبة من سحب البطاقة الخضراء لا بل إنه أمر نادر الحدوث.
إقامة المهاجر في أميركا لا تخضع لسلطة حاكمه السابق ولا لسفير وطنه الأصلي. إقامته لا تنتهي ببضعة أبيات شِعر ناسخة تجود بها قريحة سفير بلاده. وقدماه حرتان لا يوجههما سفيرٌ ولا وزيرٌ أو أمير، اللهم إلا إذا كانت الغاية أساساً من وجود ذلك المهاجر في هذا البلد هي أن يكون ذراعاَ لحكومته يعمل بإمرتها وينفّذ خططها. أمثال هؤلاء لا شكّ في وجودهم، ولا شكّ في أنهم مستعدون لأن يقوموا هنا بدور آيات الأخرس بمجرّد صدور الأمر إليهم بالتحرّك.
بعد هذا، أليس من العدل إذن أن نقول، بأن القادمين إلى أميركا يجدون فيها من الأمن والاستقرار، أكثر مما يجده في جنة الإسلام الراحلون إليها؟!..
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط