بسام درويش
/
Sep 16, 1993
عندما دخلت القوات العراقية الكويت، أعلن صدام حسين أنه بعون الله تعالى قد تم تحرير هذه القطعة السليبة من أرض العراق وإعادتها إلى الوطن الأم.
وارتفع صراخ الكويتيين يشكون أمرهم الى الله، وبالطبع أيضاً للأمم المتحدة ودول الغرب. وقال أمير الكويت الذي لجأ آنذاك إلى بيت الجيران أنه بعونه تعالى سيحرر الكويت ويعيدها إلى أبنائها. (يقصد أبناءه وورثته بالطبع).
أما السعوديون فقد أعلنوا من جهتهم أيضاً، أنهم بعون الله العلي القدير (أميركا)، سيحمون حدودهم ويساعدون الشعب الكويتي على استرداد أرضه.
وفي الماضي القريب، وباسم الله أيضاً، شنّ صدام حرباً ضد إيران فقام الإيرانيون أيضاً يدافعون عن بلدهم ويبعثون حتى بأولادهم الصغار إلى جبهة الحرب لأنهم كانوا على ثقة أكبر بأن الله معهم وليس مع العراقيين.
*********
بالاتكال على الله تعالى كان العرب دائماً يشنون هجماتهم على الأعداء، وبعونه كانوا أيضاً يأملون بإلقاء اليهود الصهاينة في البحر. لكن وعن طريق الخطأ، وجلّ من لا يخطئ، فقد حاربوا الفلسطينيين وبعثروهم في صحارى الدول العربية اعتقاداً منهم أنهم يرمون اليهود في البحر.
ثم بقدرة الله القادر جعل العرب من هزائمهم نصراً ومن عارهم فخراً.
*********
الله دائماً في صف العرب..
في صف البعثيين، والناصريين، والقوميين، والأخوان المسلمين، والوحدويين، والانفصاليين.. ولكن بسبب تنازع كل هذه الفئات على كسب عون الله، قرر تعالى أن يحلَّ المشكلة فأسس حزباً خاصاً به ودعاه "حزب الله !"
*********
نحن إذا غضبنا على أحد قلنا له: لعنك الله، وإذا ودَّعنا أحداً قلنا له: الله معك، وإذا فارقنا من لا نتمنى له خيراً تمتمنا وراءه وقلنا: "الله لا يردَّك.. الله لا يجيبك.."، وإذا رأينا طفلاً صغيرا قلنا "يخزي العين.. ما شاء الله"، وإذا أيضاً شاهدنا سيقاناً مسكوبةً وصدراً نافراً هتفنا: "الله !.. الله، يا سبحان الله!.."
الله سلاح بين أيدينا.. به نستعين لنخرب البيوت أو نطوِّل الأعمار. نغضب على أحد فنقول له: "الله يخرب بيتك"، ونحبُّ أحدهم أو نتظاهر بحبه فنقول له: "الله يطوِّل عمرك!"
الله ينصرك على الأعداء.. الله يكسِّر يديك، الله ياخذ بيدك، الله يرحمه، الله "يغمّقلوا" (يجعل قبره عميقاً) الله يرزقه، الله لا يفتحها بوجهو (بوجهه)، الله يستر عليهم، الله يفضحهم..
*********
وطبعاً.. يعتقد العرب أن الله يسمع للجميع. للداعي والمدعو عليه، للفاعل والمفعول به، للناصب والمنصوب عليه، للجار والمجرور والساحل والمسحول.. لا يستثني أحداً، لا بإلاَّ ولا بغيرها.
*********
اسم الله، نكتبه على الرايات والباصات والدراجات وأبواب البيوت والسيوف..
باسم الله تقوم ثوراتنا ضد الحكام الظالمين، وباسم الله يقمع حكامنا الأشاوس ثورات الخائنين المارقين المتمردين..
باسمه نحلف ونطلَّق ونشرَّد ونرمَّل ونزني ونقتل ونخدع ونسرق ونكذب.
باسم الله نُسمِّي ونتسمى.. عبد الله، نصر الله، فتح الله، رزق الله، سعد الله، آية الله روح الله، الحاكم بأمر الله..
*********
نذبح بقرة باسم الله.. ونذبح إنساناً لأجل اسم الله.. وإذا نهضنا نقول: يا الله.. وإذا قعدنا نقول: يا الله!..
نسمع عبد الباسط عبد الصمد فنهتف الله الله..
نُطرب أيضاً لسماع صوت أم كلثوم، فنهتف الله الله..
وتهز الراقصة بطنها وتكشف عن فخذيها فنبحلق عيوننا وندور بها كمحطة إرسال فضائية ونشق حناجرنا ونحن نصرخ: الله، الله، اسم الله.. عين الله عليك يا حلوة يا قمورة يا فرفورة!
تمطر السماء فنرفع أعيننا الى فوق ونقول الله يبعث الخير. وعندما تُمحل نقول هذا من غضب الله، وإذا أمطرت كثيراً وأغرقت الشوارع والبيوت والمزارع فإنها أيضاً تكون بسبب غضب الله.."
وحيّرنا الله هللي خلقنا!"
*********
وفي مصر أم الدنيا، يأخذ مواطنٌ في أحد المقاهي العربية نفساً عميقاً ثم يبعد "النربيش" عن شفتيه ويلتفت إلى من هم حوله ويقول: "الله الله يا جماعة.. أنتم ما بقاش عندكم حاجة تتسلُّوا بيها غير الله؟"
فيبعد مواطنٌ "سعيدٌ" أخر نربيشه ويقول: أٌمّال يا أفندم.. هوَّ إنتَ نِسيت القضية الفلسطينية ولاَّ إيه؟..
===========
بسام درويش من كتابه "لا حياة لمن تنادي" طبع سنة 1997 نُشرت أولاً في بيروت تايمز 16 سبتمبر 1993
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط