مصطفى أنور
/
Jun 07, 2006
قراءتي لعصر الأنوار الفرنسي والألماني، استرعت انتباهي للعبقرية الألمانية التي لم تجعل الاستنارة العقلية، طريقاً لتدمير التراث الديني، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الأوربية. في حين أدت الصحوة العقلية في فرنسا لدى فيكتور هيجو(Victor Hugo) وفولتير (Voltaire)وغيرهم من المفكرين الى الاطاحة بالمؤسسة الدينية في فرنسا عبر ثورتها الشهيرة (1789)، واعتبارها سبباً للتخلف والظلم والاستعباد للانسان.
قامت جماعات المفكرين في ألمانيا بقراءة الحقيقة الدينية بصورة أكثر اعتدالاً وموضوعية. ومع مطلع القرن الثامن عشر بدأ التحول في التفكير الألماني من اعتبار الدين وحياً الهياً على الانسان قبوله نظراً لمصدره الالهي السامي، الى اعتباره حقيقة سامية بقدر ما تتطابق مع معطيات العقل ومع الدين الطبيعي الحاضر في أعمق أعماق الانسان، داعياً لمزيد من الانسانية بين بني البشر. وما كان تأكيد الألمان على أهمية المسيحية إلا بقدر ما وجدوا فيها سمواً انسانياً، وما اتبع كانت (Kant) تعليم المسيح الا لانه وجد فيه المعلم الأكثر جدارة بالاتباع. فليس الدين مهماً لأنه منزل من عند الله بل لأنه يقدم للانسان حياة أكثر سمواً وانسانية.
تتعدد الكتب والمقالات التي تتكلم عن الحقيقة، وقد أجهدت نفسي منذ نعومة أظفاري في قراءتها، إلا أن السؤال الذي بقي يتردد في ذهني هو ذاك الذي طرحه بيلاطس عند محاكمة يسوع الناصري. لقد سأل بيلاطس ماهي الحقيقة؟ فأجابه الناصري أنا هو الحق. ولعّل الإجابة كانت أبلغ بكثير من السؤال، فلا أحد له الجرأة في عالم تسيطر فيه القوى الروحية والدينية على الادعاء بأنه هو الحق. لكني أتساءل هل أستطيع أن أجيب أحد الحكام العرب بأني أنا الحق؟ وبأني قيمة مطلقة بذاتي. نعم أنا الحقيقة التي ليس لتشريع ديني أو مدني أو سياسي أن يقف في وجهها، فيحرمها حق الانتماء الديني أو الفكري أو السياسي.
صرخة المسيح كانت صرخة الثائر على التعسف الديني السياسي الممارس في بلاده. المسيح له الحق بأن يعلّم المعتقد الذي يشاء، وأن يسير في النهج الفكري الذي يشاء. ليس لأحد أن يحد هذه الحرية! المهم أنه لم ينوّه يوماً واحداً بأن يُثار على القوانين والنظم المدنية التي وضعت لتنظيم شؤون الناس، كما أنه لم يضع تعليماً واحداً يثير البغض او العنف أو القتل بين بني البشر، ولم يفتح أبواب ملكوته مطلقاً لمن يسارع لقتل الأبرياء والبسطاء والمدنيين، ولم يعد أحداً بمئات الحوريات ساعة يقدم نفسه محرقة على مذبح البغض والحقد والكراهية.
لقد دعا للمحبة وأعلن بأن الله في جوهره ليس إلا محبّة وليس لله اسم أو تحديد آخر، وهذا الاسم لله خير من مئات الأسماء الحسنى. المحبة هي المقياس الوحيد للحياة الدينية والأخلاقية وايضاً للدينونة. فعلى سبيل المثال، حدود العالم الغربي الذي بناه الإنسان بثقافة الحب والاحترام، لا يعبرها انسان بجواز سفر ارهابي، وكذلك الملكوت السماوي ـ الذي نصوره في كثير من الأحيان بصورة الملكوت الأرضي ـ لا يمكن أن يحتوي من تلطخت أيديهم بدماء الشعوب التي أحسنت إليهم وفتحت أبوابها لاستقبالهم وتخليصهم من فقر الاسلام وعوز العقل وهيمنة الدين.
فاذا أردنا الكلام عن الاله المسيحي لوجدناه اله المحبة ولا صفة أخرى له. انه اله لا ترضيه الذبائح ولا مظاهر العبادة والصيام. شريعة هذا الاله هي المحبة واحترام حقوق الانسان كل انسان، والسعي الدائم لاقامة وطن وعالم أكثر انسانية. أما اله المسلمين فهو غدار، مكّار، قتّال للناس، لا يعرف معنى العهود وليس للأمانة مكان في معاجمه. اله يميز بين البشر فيجعل فئة تنعم بملكوته وباقي الناس مصيرهم الهلاك في اسافل الجحيم. اله الاسلام يميز بين البشر في انتماءاتهم ومعتقداتهم كما يميز بين الرجل والمرأة في المعتقد الواحد. اله لا يعرف الحق ولا الحقيقة! يسير هو نفسه في دياجير الظلام والتخلّف. هذا الاله لم يبلغ بعد حقبة الحضارة والتطور الانساني، انه متخلف بعيد عن وسائل الاتصال والعولمة، يقبع في سجن من العصور الجاهلية، ولو أنه يسمي ما قبل الاسلام بالجاهلية الا انه هو نفسه ينبوع الجهل والتخلف والتحجر والقتل والارهاب.
هل لمثل هذه الصفات أن تكون لإله؟ وهل يمكن لهذا المسخ أن يتحول إلى صنم يعبده الناس؟ لا وألف لا! ليسقط هذا الصنم، رمز الارهاب والتخلف، وليحيا الاله الحقيقي، اله الحضارة والسلام والحب. ليحيا اله ذاك الذي قال انا هو الحق، فهو اله انسان جدير بالاحترام اذ انه قد مات أقله دفاعاً عن قضيته. وليسقط اله الكذب والرياء الذي أباح للمسلمين ما لا تبيحه شريعة بشرية مهما فسدت. ليسقط الاسلام ولتحيا فقط شريعة الحوار والحب والتآخي بين بني البشر. وكما تعلمون ليس لانسان أن يتبع ديانتين في الحين نفسه. فإما الاسلام اي القتل والارهاب وإما شريعة الحب والاحترام والتآخي.
* مصطفى أنور، سوري مقيم في ألمانيا
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط